تفسير سورة آل عمران تفسير الطبري

تفسير سورة آل عمران بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مدنية وجاء ترتيبها 3 في المصحف الكريم وعدد آياتها 200.

تفسير آيات سورة آل عمران

تفسير الم 1

القول في تأويل قوله : الم (1)
قال أبو جعفر: قد أتينا على البيان عن معنى قوله: " الم " فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) وكذلك البيان عن قوله: " الله ". (3)
_____________________
الهوامش :
(1) في المطبوعة: "أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري ، رضي الله عنه" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) انظر ما سلف 1: 205-224.
(3) انظر ما سلف 1: 122-126.

تفسير اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2

وأما معنى قوله: " لا اله إلا هو "، فإنه خبرٌ من الله جل وعز، أخبرَ عبادَه أن الألوهية خاصةٌ به دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وأن العبادة لا تصلحُ ولا تجوز إلا له لانفراده بالربوبية، وتوحُّده بالألوهية، وأن كل ما دونه فملكه، وأنّ كل ما سواه فخلقه، لا شريك له في سلطانه ومُلكه = (4) احتجاجًا منه تعالى ذكره عليهم بأن ذلك إذْ كان كذلك، فغيرُ جائزة لهم عبادةُ غيره، ولا إشراك أحد معه في سلطانه، إذ كان كلّ معبود سواه فملكه، وكل معظَّم غيرُه فخلقهُ، وعلى المملوك إفرادُ الطاعة لمالكه، وصرفُ خدمته إلى مولاه ورازقه = ومعرِّفًا مَنْ كان مِنْ خَلقه (5) يَوم أنـزل ذلك إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتنـزيله ذلك إليه، وإرساله به إليهم على لسانه صلوات الله عليه وسلامه - (6) مقيمًا على عبادة وثن أو صنم أو شمس أو قمر أو إنسي أو مَلَك أو غير ذلك من الأشياء التي كانت بنو آدم مقيمةً على عبادته وإلاهته (7) - (8) ومتَّخذَه دون مالكه وخالقه إلهًا وربًّا = (9) أنه مقيم على ضلالة، ومُنعدلٌ عن المحجة، (10) وراكبٌ غير السبيل المستقيمة، بصرفه العبادة إلى غيره، ولا أحدَ له الألوهية غيره.
* * *
قال أبو جعفر: وقد ذُكر أن هذه السورة ابتدأ الله بتنـزيله فاتحتها بالذي ابتدأ به: من نفي" الألوهية " أن تكون لغيره، ووصفه نفسه بالذي وصَفها به في ابتدائها، احتجاجًا منه بذلك على طائفة من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نَجْرَان فحاجُّوه في عيسى صلوات الله عليه، وألحدوا في الله. فأنـزل الله عز وجل في أمرهم وأمر عيسى من هذه السورة نيفًا وثمانين آية من أولها، (11) احتجاجًا عليهم وعلى من كان على مثل مقالتهم، لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلا المقام على ضلالتهم وكفرهم، فدعاهم إلى المباهلة، فأبوا ذلك، وسألوا قَبول الجزية منهم، فقبلها صلى الله عليه وسلم منهم، وانصرفوا إلى بلادهم.
غير أن الأمر وإن كان كذلك، وإياهم قصد بالحِجاج، فإن من كان معناه من سائر الخلق معناهم في الكفر بالله، واتخاذ ما سوى الله ربًّا وإلهًا ومعبودًا، معمومون بالحجة التي حجّ الله تبارك وتعالى بها من نـزلت هذه الآيات فيه، ومحجوجون في الفُرْقان الذي فَرَق به لرسوله صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم. (12)
* * *
ذكر الرواية عمن ذكرنا قوله في نـزول افتتاح هذه السورة أنه نـزل في الذين وصفنا صفتهم من النصارى:-
6543 - حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران: (13) ستون راكبًا، فيهم أربعة عشرَ رجلا من أشرافهم، في الأربعة عشر ثلاثةٌ نفر إليهم يؤول أمرُهم: " العاقب " أميرُ القوم وذو رأيهم وصاحبُ مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمهُ" عبد المسيح " = و " السيد " ثِمالهم وصاحب رَحْلهم ومجتمعهم، واسمه " الأيهم " = (14) وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، أسقفُّهم وحَبْرهم وإمامهم وصاحبُ مِدْرَاسهم. (15) وكان أبو حارثة قد شرُف فيهم ودَرَس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه وموّلوه وأخدَموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم. (16) قال ابن إسحاق قال، محمد بن جعفر بن الزبير: (17) قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر، عليهم ثيابُ الحِبَرَات جُبب وأرْدية، في [جمال رِجال] بَلْحارث بن كعب= (18) قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم! = وقد حانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:دعوهم! فصلوا إلى المشرق.
= قال: وكانت تسمية الأربعة عشر منهم الذين يؤول إليهم أمرهم: " العاقب "، وهو " عبد المسيح "، والسيد، وهو " الأيهم "، و " أبو حارثة بن علقمة " أخو بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبيه، وخويلد، وعمرو، (19) وخالد، وعبد الله. ويُحَنَّس: في ستين راكبًا. فكلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم منهم: " أبو حارثة بن علقمة "، و " العاقب "، عبد المسيح، و " الأيهم " السيد، وهم من النصرانية على دين الملك، (20) مع اختلاف من أمرهم. يقولون: " هو الله "، ويقولون: " هو ولد الله "، ويقولون: " هو ثالث ثلاثة "، وكذلك قول النصرانية.
فهم يحتجون في قولهم: " هو الله "، بأنه كان يُحيي الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طائرًا، وذلك كله بإذن الله، ليجعله آية للناس. (21)
ويحتجون في قولهم: " إنه ولد الله "، أنهم يقولون: " لم يكن له أب يُعلم، وقد تكلم في المهد، شيءٌ لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله ". (22)
ويحتجون في قولهم: " إنه ثالث ثلاثة "، بقول الله عز وجل: " فعلنا، وأمَرنا، وخلقنا، وقضينا ". فيقولون: " لو كان واحدًا ما قال: إلا " فعلت، وأمرتُ وقضيتُ، وخلقت "، ولكنه هو وعيسى ومريم ".
ففي كل ذلك من قولهم قد نـزل القرآن، وذكر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فيه قولهم.
فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما! قالا قد أسلمنا. قال: إنكما لم تسلما، فأسلما! قالا بَلى قد أسلمنا قَبلك! قال: كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله عز وجل ولدًا، وعبادتكما الصليبَ، وأكلكما الخنـزير. قالا فمنْ أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما، فأنـزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله، صدرَ" سورة آل عمران " إلى بضع وثمانين آية منها. فقال: " الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " ، (23) فافتتح السورة بتبرئته نفسَه تبارك وتعالى مما قالوا، (24) وتوحيده إياها بالخلق والأمر، لا شريك له فيه = رَدًّا عليهم ما ابتدعوا من الكفر، (25) وجعلوا معه من الأنداد = واحتجاجًا عليهم بقولهم في صاحبهم، ليعرّفهم بذلك ضلالتهم، فقال: " اللهُ لا إله إلا هو "، أي: ليس معه شريك في أمره. (26)
6544 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " ، قال: إنّ النصارى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على الله الكذبَ والبهتانَ، لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولدٌ إلا وهو يشبه أباه؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربَّنا حيّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربنا قَيِّمٌ على كل شيء يكلأهُ ويحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى! قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئًا؟ قالوا: لا! قال: أفلستم تعلمون أن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى! قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلا ما عُلِّم؟ قالوا: لا! قال: فإنّ ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء، فهل تعلمون ذلك؟ قالوا: بلى! (27) قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يُحدِث الحدَث؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، (28) ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غُذِّي كما يغذّى الصبيّ، ثم كان يَطعم الطعام، ويشرب الشرابَ ويُحدث الحدَث؟ قالوا بلى! قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ قال: فعرفوا، ثم أبوا إلا جحودًا، فأنـزل الله عز وجل: " الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ".
* * *
القول في تأويل قوله : الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)
قال أبو جعفر: اختلفت القرَأةُ في ذلك.
فقرأته قرأة الأمصار (الْحَيُّ الْقَيُّوم).
وقرأ ذلك عمر بن الخطاب وابن مسعود فيما ذكر عنهما: ( الْحَيُّ الْقَيُّومُ ).
* * *
وذكر عن علقمة بن قيس أنه كان يقرأ: ( الْحَيُّ الْقَيِّمُ ).
6545 - حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي قال، حدثنا الأعمشُ، عن إبراهيم، عن أبي معمر قال، سمعت علقمة يقرأ: " الحيّ القيِّم ".
قلتُ: أنت سمعته؟ قال: لا أدري.
6546 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن علقمة مثله.
* * *
وقد روى عن علقمة خلاف ذلك، وهو ما:-
6547 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا شيبان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن علقمة أنه قرأ: " الحيّ القيَّام ".
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا يجوز غيرها عندنا في ذلك، ما جاءت به قَرَأة المسلمين نقلا مستفيضًا، عن غير تشاعُر ولا تواطؤ، وراثةً، (29) وما كان مثبتًا في مصاحفهم، وذلك قراءة من قرأ، " الحي القيُّومُ" .
* * *
القول في تأويل قوله : الْحَيُّ
اختلف أهل التأويل في معنى قوله: " الحيّ ". (30)
فقال بعضهم: معنى ذلك من الله تعالى ذكره: أنه وصف نفسه بالبقاء، ونفى الموتَ - الذي يجوز على من سواه من خلقه - عنها.
ذكر من قال ذلك:
6548 - حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " الحي"، الذي لا يموت، وقد مات عيسى وصُلب في قولهم = يعني في قول الأحْبار الذين حاجُّوا رَسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى أهل نجران. (31)
6549 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " الحي"، قال: يقول: حي لا يموتُ.
* * *
وقال آخرون: معنى " الحي"، الذي عناه الله عز وجل في هذه الآية، ووصف به نفسه: أنه المتيسِّر له تدبير كل ما أراد وشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، وأنه ليس كمن لا تدبير له من الآلهة والأنداد.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أن له الحياةَ الدائمة التي لم تَزَل له صفةً، ولا تزال كذلك. وقالوا، إنما وصف نفسه بالحياة، لأن له حياة = كما وصفها بالعلم، لأن لها علمًا = وبالقدرة، لأن لها قدرةٌ.
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى ذلك عندي: (32) أنه وصف نفسه بالحياة الدائمة التي لا فناءَ لها ولا انقطاع، ونفى عنها ما هو حالٌّ بكل ذي حياة من خلقه من الفناء وانقطاع الحياة عند مجيء أجله. فأخبر عبادَه أنه المستوجب على خلقه العبادة والألوهة، والحي الذي لا يموت ولا يبيد، كما يموت كل من اتخذ من دونه ربًّا، ويبيد كلُّ من ادعى من دونه إلهًا. واحتج على خلقه بأن من كان يبيد فيزول ويموت فيفنى، فلا يكون إلهًا يستوجب أن يعبد دون الإله الذي لا يبيد ولا يموت = وأنّ الإله، هو الدائم الذي لا يموت ولا يبيد ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو.
* * *
القول في تأويل قوله : الْقَيُّومُ
قال أبو جعفر: قد ذكرنا اختلاف القرأة في ذلك، والذي نختار منه، وما العلة التي من أجلها اخترنا ما اخترنا من ذلك.
* * *
فأما تأويل جميع الوجوه التي ذكرنا أنّ القرَأة قرأت بها، فمتقارب. ومعنى ذلك كله: القيّم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحبّ من تغيير وتبديل وزيادة ونقص، كما:-
6550 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى بن ميمون قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه: " الْحَيُّ الْقَيُّومُ" ، قال: القائم على كل شيء.
6551 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
6552 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " القيوم "، قيِّم على كل شيء يكلأه ويحفظه ويرزقه.
* * *
وقال آخرون: " معنى ذلك: القيام على مكانه ". ووجَّهوه إلى القيام الدائم الذي لا زوالَ معه ولا انتقال، وأنّ الله عز وجل إنما نفى عن نفسه بوَصفها بذلك، التغيُّرَ والتنقلَ من مكان إلى مكان، وحدوثَ التبدّل الذي يحدث في الآدميين وسائر خلقه غيرهم.
ذكر من قال ذلك:
6553 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " القيوم "، القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول، وقد زال عيسى في قولهم = يعني في قول الأحْبار الذين حاجوا النبي صلى الله عليه وسلم من أهل نجران في عيسى = عن مكانه الذي كان به، وذهب عنه إلى غيره. (33)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب ما قاله مجاهد والربيع، وأنّ ذلك وصفٌ من الله تعالى ذكره نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء، في رزقه والدفع عنه، وكلاءَته وتدبيره وصرفه في قدرته = من قول العرب: " فلان قائم بأمر هذه البلدة "، يعنى بذلك: المتولي تدبيرَ أمرها.
فـ" القيوم " = إذ كان ذلك معناه =" الفيعول " من قول القائل: " الله يقوم بأمر خلقه ". وأصله " القيووم "، غير أن " الواو " الأولى من " القيووم " لما سبقتها " ياء " ساكنة وهي متحركة، قلبت " ياء "، فجعلت هي و " الياء " التي قبلها " ياء " مشدّدة. لأن العرب كذلك تفعل بـ" الواو " المتحركة إذا تقدمتها " ياء " ساكنة. (34)
* * *
وأما " القيَّام "، فإن أصله " القيوام "، وهو " الفيعال " من " قام يقوم "، سبقت " الواو " المتحركة من " قيوام "" ياء " ساكنة، فجعلتا جميعًا " ياء " مشدّدة.
ولو أن " القيوم "" فَعُّول "، كان " القوُّوم "، ولكنه " الفيعول ". وكذلك " القيّام "، لو كان " الفعَّال "، لكان " القوَّام "، كما قيل: " الصوّام والقوّام "، وكما قال جل ثناؤه: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ [سورة المائدة: 8]، ولكنه " الفيعال "، فقيل: " القيام ".
* * *
وأما " القيِّم "، فهو " الفيعل " من " قام يقوم "، سبقت " الواو " المتحركة " ياء " ساكنة، فجعلتا " ياء " مشددة، كما قيل: " فلان سيدُ قومه " من " ساد يسود "، و " هذا طعام جيد " من " جاد يجود "، وما أشبه ذلك.
* * *
وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظ، لأنه قصد به قصدَ المبالغة في المدح، فكان " القيوم " و " القيّام " و " القيم " أبلغ في المدح من " القائم "، وإنما كان عمر رضي الله عنه يختار قراءته، إن شاء الله،" القيام "، لأنّ ذلك الغالب على منطق أهل الحجاز في ذوات الثلاثة من " الياء "" الواو "، فيقولون للرجل الصوّاغ: " الصيّاغ "، ويقولون للرجل الكثير الدّوران: " الدَّيار ". (35) وقد قيل إن قول الله جل ثناؤه: لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [سورة نوح: 26] إنما هو " دوّار "،" فعَّالا " من " دار يَدُور "، ولكنها نـزلت بلغة أهل الحجاز، وأقِرّت كذلك في المصحف.
_________________
الهوامش :
(4) سياق العبارة: "أخبر عباده أن الألوهية خاصة به... احتجاجًا منه تعالى ذكره عليهم".
(5) قوله: "ومعرفًا" ، في المطبوعة والمخطوطة"ومعرف" ، والصواب نصبها ، لأن سياق الجملة"أخبر عباده أن الألوهية خاصة به... معرفًا من كان من خلقه..." ، أما الواو العاطفة في قوله: "ومعرفًا" ، فليست تعطف"معرفًا" على"احتجاجًا" فهذا غير جائز ، بل هي عاطفة على جملة"أخبر عباده..." ، كأنه قال"وأخبرهم ذلك معرفًا".
(6) السياق"ومعرفًا من كان من خلقه... مقيما على عبادة وثن. . .".
(7) الإلاهة: عبادة إله ، كما سلف في تفسيره 1: 124.
(8) في المطبوعة: "ومتخذته دون مالكه..." ، وهو لا يستقيم ، وقد أشكل عليه قوله قبل"التي كانت بنو آدم مقيمة على عبادته" ، فظن هذا معطوفا عليه ، وهو خطأ مفسد للسياق ، بل هو معطوف على قوله: "مقيما على عبادة وثن".
(9) سياق الجملة: "ومعرفًا من كان من خلقه... مقيما على عبادة وثن... أنه مقيم على ضلالة...".
(10) في المطبوعة: "ومنعزل" وهو خطأ ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وهي فيها غير منقوطة ، والدال شبيهة بالراء!! وانعدل عن الطريق: مال عنه وانحرف. يقال: عدل عن الشيء: حاد ، وعدل عن الطريق: جار ومال واعوج سبيله.
(11) في المطبوعة والمخطوطة: "نيفًا وثلاثين آية" ، وهو خطأ صرف ، فالتنزيل بين عدده ، والأثر التالي فيه ذكر العدد صريحًا"... إلى بضع وثمانين آية".
(12) في المطبوعة: "لرسول الله..." ، وأثبت ما في المخطوطة.
(13) في ابن هشام: "وفد نصارى نجران". ثمال القوم: عمادهم وغياثهم ومطعمهم وساقيهم والقائم بأمرهم في كل ذلك.
(14) في ابن هشام: "وفد نصارى نجران". ثمال القوم: عمادهم وغياثهم ومطعمهم وساقيهم والقائم بأمرهم في كل ذلك.
(15) المدراس (بكسر الميم وسكون الدال): هو البيت الذي يدرسون فيه كتبهم ، ويعني بقوله: "صاحب مدراسهم" ، عالمهم الذي درس الكتب ، يفتيهم ويتكلم بالحجة في دينهم.
(16) في المطبوعة: "في دينه" ، وأثبت ما في المخطوطة وابن هشام. وقد أسقط الطبري من روايته هنا عن ابن إسحاق ، ما أثبته ابن هشام في السيرة 2: 222-223 ، كما سيأتي في التخريج.
(17) في ابن هشام: "فلما قدموا...".
(18) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، من نص ابن هشام. والحبرات (بكسر الحاء وفتح الباء) جمع حبرة (بكسر الحاء وفتح الباء): وهو ضرب موشى من برود اليمن منمر ، وهو من جياد الثياب.
(19) في المطبوعة والمخطوطة: "وخويلد بن عمرو" ، وهو خطأ ، صوابه من ابن هشام.
(20) في المطبوعة والمخطوطة: "وهو من النصرانية" ، والصواب من ابن هشام.
(21) في ابن هشام: "ولنجعله آية للناس" ، كنص الآية.
(22) في المطبوعة: "بشيء لم يصنعه..." ، وهو كلام فاسد ، والصواب من المخطوطة. وفي ابن هشام: "وهذا لم يصنعه...".
(23) في المطبوعة والمخطوطة لم يذكر"ألم" ، وأثبتها من ابن هشام.
(24) في المطبوعة: "بتبرئة نفسه" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وفي ابن هشام: "بتنزيه نفسه".
(25) في المطبوعة والمخطوطة: "وردًا عليه" بواو العطف ، وهو خطأ ، والصواب من ابن هشام.
(26) الأثر: 6543 - في ابن هشام: "ليس معه غيره شريك في أمره". والأثر رواه ابن هشام في سيرته مطولا ، وسيأتي بعد تمامه في الآثار التالية. سيرة ابن هشام 2: 222-225.
(27) في المخطوطة والدر المنثور 2: 3 ما نصه: "فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب" ، إلا أن الدر المنثور قد أسقط"قال" من هذه العبارة. أما البغوي (هامش تفسير ابن كثير) 2: 93: "فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء ، وربنا لا يأكل ولا يشرب". وتركت ما في المطبوعة على حاله مخافة أن يكون من نسخة أخرى ، كان فيها هذا.
(28) في المطبوعة والمخطوطة: "أن عيسى حملته امرأة..." والصواب"أمه" ، كما في الدر المنثور والبغوي.
(29) في المطبوعة: "تشاغر" ، بالغين ، وهو خطأ ، وانظر ما سلف: 127 تعليق: 2. وانظر ما قلته عن قوله: "وراثة" فيما سبق ص: 127 تعليق: 3.
(30) انظر تفسير: "الحي" فيما سلف 5: 386 ، 387.
(31) الأثر: 6548- سيرة ابن هشام 2: 225 ، وهو من بقية الأثر السالف: 6543.
(32) انظر تفسير"الحي" فيما سلف 5: 386 ، 387.
(33) الأثر: 6553- في المخطوطة والمطبوعة: "عمر بن إسحاق" وهو خطأ بين ، وهذا إسناد أبي جعفر إلى"محمد بن إسحاق" ، الذي يدور في تفسيره. وهذا الخبر تمام الخبرين السالفين: 6543 ، 6548 ، في سيرة ابن هشام 2: 225. وفي المطبوعة والمخطوطة خطأ آخر: "القيام على مكانه" ، مكان"القائم على مكانه" والصواب من سيرة ابن هشام.
(34) انظر ما سلف في تفسير"القيوم": 5: 388 ، 389 ، وهنا زيادة في"القيام" و"القيم" لم يذكرها هناك.
(35) انظر معاني القرآن للفراء 1: 110.

تفسير نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 3

القول في تأويل قوله : نَـزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: يا محمد، إنّ ربك وربَّ عيسى وربَّ كل شيء، هو الرّبّ الذي أنـزل عليك الكتاب = يعني بـ" الكتاب "، القرآن =" بالحق " يعني: بالصّدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل، وفيما خالفك فيه محاجُّوك من نصارى أهل نجران وسائر أهل الشرك غيرهم =" مُصَدّقًا لما بين يديه "، يعني بذلك القرآن، أنه مصدّق لما كان قبله من كتب الله التي أنـزلها على أنبيائه ورسله، ومحقق ما جاءت به رُسل الله من عنده. (36) لأن منـزل جميع ذلك واحد، فلا يكون فيه اختلاف، ولو كان من عند غيره كان فيه اختلاف كثير.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6554 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مصدقًا لما بين يديه ". قال: لما قبله من كتاب أو رسول.
6555 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " مصدقًا لما بين يديه "، لما قبله من كتاب أو رسول.
6556 - حدثني محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنى محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " نـزل عليك الكتاب بالحق "، أي بالصدق فيما اختلفوا فيه. (37)
6557 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " نـزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه "، يقول: القرآن، =" مصدّقًا لما بين يديه " من الكتب التي قد خلت قبله.
6558 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " نـزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه "، يقول: مصدّقًا لما قبله من كتاب ورسول.
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وَأَنْـزَلَ التَّوْرَاةَ"، على موسى =" وَالإِنْجِيلَ" على عيسى =" من قبل "، يقول: من قبل الكتاب الذي نـزله عليك = ويعني بقوله: " هُدًى للناس "، بيانًا للناس من الله فيما اختلفوا فيه &; 6-162 &; من توحيد الله وتصديق رسله، ونَعْتِيك يا محمد بأنك نبيّى ورسولى، (38) وفي غير ذلك من شرائع دين الله، كما:-
6559 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وَأَنْـزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ"، هما كتابان أنـزلهما الله، فيهما بيانٌ من الله، وعصمةٌ لمن أخذ به وصدّق به، وعمل بما فيه.
6560 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " وَأَنْـزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ"، التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، كما أنـزل الكتب على من كان قبله. (39)
____________________
الهوامش :
(36) في المخطوطة"ومخفو ما جاءت به رسل الله" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المطبوعة.
(37) الأثر: 6556- هو بقية الآثار السالفة ، التي آخرها آنفًا رقم: 6553.
(38) في المطبوعة: "ومفيدًا يا محمد أنك نبيي رسولي" ، وفي المخطوطة هكذا: "وحفيك يا محمد بأنك نبيي ورسولي" ، الحرف الأول حاء ، والثاني"فاء" والثالث"ياء" ، والرابع كالدال ، إلا أنه بالكاف أشبه. وقد رجحت أن تكون الكلمة: "نعتيك" ، لأن الله لما نعت محمدًا بأنه نبيه ورسوله ، اختلف الناس في صفته هذه. وكذلك فعل هذا الوفد من نصارى نجران ، كما هو واضح من حديثهم في سيرة ابن هشام. وقوله"ونعتيك" معطوف على قوله: "من توحيد الله ، وتصديق رسوله" ، أي ومن نعتيك. أما ما جاء في المطبوعة ، فهو فاسد في السياق وفي المعنى جميعًا.
(39) الأثر: 6560 - هو بقية الآثار السالفة ، التي آخرها رقم: 6556 ، وفي المطبوعة"على من كان قبلهما" ، والصواب من المخطوطة وسيرة ابن هشام.

تفسير مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ 4

القول في تأويل قوله : وَأَنْـزَلَ الْفُرْقَانَ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وأنـزل الفصْل بين الحق والباطل فيما اختلفت فيه الأحزابُ وأهلُ الملل في أمر عيسى وغيره.
* * *
وقد بينا فيما مضى أنّ" الفرْقان "، إنما هو " الفعلان " من قولهم: " فرق الله بين الحق والباطل "، فصل بينهما بنصره الحقَّ على الباطل، (40) إما بالحجة البالغة، وإما بالقهر والغلبة بالأيدِ والقوة. (41)
* * *
وبما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل، غير أنّ بعضهم وجّه تأويله إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أمر عيسى = وبعضهم: إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أحكام الشرائع.
ذكر من قال: معناه: " الفصل بين الحق والباطل في أمر عيسى والأحزاب ":
6561 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " وأنـزل الفرقان "، أي: الفصلَ بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره. (42)
* * *
ذكر من قال: معنى ذلك: " الفصل بين الحق والباطل في الأحكام وشرائع الإسلام ":
6562 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وأنـزل الفرقان "، هو القرآن، أنـزله على محمد، وفرق به بين الحق والباطل، فأحلّ فيه حلاله وحرّم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وحدّ فيه حدوده، وفرض فيه فرائضَه، وبين فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
6563 - حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وأنـزل الفرقان "، قال: الفرقان، القرآن، فرق بين الحق والباطل.
* * *
قال أبو جعفر: والتأويل الذي ذكرناه عن محمد بن جعفر بن الزبير في ذلك، أولى بالصحة من التأويل الذي ذكرناه عن قتادة والربيع = وأن يكون معنى " الفرقان " في هذا الموضع: فصل الله بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والذين حاجُّوه في أمر عيسى، وفي غير ذلك من أموره، بالحجة البالغة القاطعة عذرَهم وعذرَ نُظرائهم من أهل الكفر بالله.
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، لأن إخبارَ الله عن تنـزيله القرآنَ - قبل إخباره عن تنـزيله التوراة والإنجيل في هذه الآية - قد مضى بقوله: نَـزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ . ولا شك أن ذلك " الكتاب "، هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرة أخرى، إذ لا فائدة في تكريره، ليست في ذكره إياه وخبره عنه ابتداءً.
* * *
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إنّ الذين جحدوا أعلام الله وأدلته على توحيده وألوهته، وأن عيسى عبدٌ له، واتخذوا المسيح إلهًا وربًّا، أو ادَّعوه لله ولدًا، لهم عذاب من الله شديدٌ يوم القيامة.
* * *
و " الذين كفروا "، هم الذين جحدوا آيات الله = و "آيات الله "، أعلامُ الله وأدلته وحججه. (43)
* * *
وهذا القول من الله عز وجل ينبئ عن معنى قوله: (44) وَأَنْـزَلَ الْفُرْقَانَ أنه معنِيٌّ به الفصل الذي هو حجة لأهل الحق على أهل الباطل. (45) لأنه عقب ذلك بقوله: " إن الذين كفروا بآيات الله "، يعني: إن الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقانَ الذي أنـزله فرقًا بين المحق والمبطل =" لهم عذاب شديدٌ"، وعيدٌ من الله لمن عاند الحقّ بعد وضوحه له، وخالف سبيلَ الهدى بعد قيام الحجة عليه = ثم أخبرهم أنه " عزيز " في سلطانه لا يمنعه مانع ممن أراد عذابه منهم، ولا يحول بينه وبينه حائل، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحدٌ = وأنه " ذو انتقام " ممنّ جحد حججه وأدلته بعد ثبوتها عليه، وبعد وضوحها له ومعرفته بها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
6564 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيزٌ ذو انتقام "، أي: إن الله منتقم ممن كفرَ بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها. (46)
6565 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع،" إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيزٌ ذو انتقام "،
............................................................................
............................................................................ (47)
___________________________
الهوامش :
(40) في المطبوعة والمخطوطة: "يفصل بينهما... بالحق" مضارعًا ، والصواب أن يكون ماضيًا كما أثبته.
(41) انظر ما سلف 1: 98 ، 99 / ثم 3: 448. وفي المطبوعة"بالأيدي" بالياء في آخره ، وهو خطأ. والأيد: الشدة والقوة.
(42) الأثر: 6561 - هو بقية الآثار التي آخرها: 6560.
(43) انظر فهارس اللغة فيما سلف"كفر" و"أبى".
(44) في المخطوطة: "يعني عن معنى قوله" ، والصواب ما في المطبوعة.
(45) في المطبوعة والمخطوطة: "أنه معنى به الفصل عن الذي هو حجة..." ، وقوله: "عن" زائدة بلا ريب في الكلام من عجلة الناسخ ، فلذلك أسقطتها. والسياق بعد يدل على صواب ذلك.
(46) الأثر: 6564- هو من بقية الآثار التي آخرها رقم: 6561.
(47) مكان هذه النقط ما سقط من تتمة الخبر رقم: 6565 ، والأخبار بعده ، إن كانت بعده أخبار. وهكذا هو المطبوعة وسائر المخطوطات التي بين أيدينا.

تفسير إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ 5

القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لا يخفى عليه شيء هو في الأرض ولا شيء هو في السماء. يقول: فيكف يخفى علىّ يا محمدُ - وأنا علامُ جميع الأشياء - ما يُضَاهى به هؤلاء الذين يجادلونك في آيات الله من نصارى نجران في عيسى ابن مريم، في مقالتهم التي يقولونها فيه؟ ! كما:-
6566 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء "، أي: قد علم ما يريدون وما يَكيدون وما يُضَاهون بقولهم في عيسى، إذ جعلوه ربًّا وإلهًا، وعندهم من علمه غيرُ ذلك، غِرّةً بالله وكفرًا به. (48)
________________________
الهوامش :
(48) الأثر: 6566 - هو من بقية الآثار التي آخرها رقم: 6564 ، من سيرة ابن إسحاق.

تفسير هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6

القول في تأويل قوله : هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: الله الذي يصوّركم فيجعلكم صورًا أشباحًا في أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحب، فيجعل هذا ذكرًا وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يُعرّف عباده بذلك أنّ جميع من اشتملت عليه أرحامُ النساء، ممنّ صوره وخلقه كيف شاء (49) = وأنّ عيسى ابن مريم ممن صوّره في رحم أمه وخلقه فيها كيف شاء وأحبّ، وأنه لو كان إلهًا لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاق ما في الأرحام لا تكون الأرحامُ عليه مشتملة، وإنما تشتمل على المخلوقين، كما:-
6567 - حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء "، أي: (50) قد كان عيسى ممن صُوّر في الأرحام، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، كما صُوّر غيره من بني آدم، فكيفَ يكون إلهًا وقد كان بذلك المنـزل؟ (51)
6568 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع: " هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء "، أي: أنه صوّر عيسى في الرحم كيف شاء.
* * *
قال آخرون في ذلك ما:-
6569 - حدثنا به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس = وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء "، قال: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يومًا، ثم تكون عَلقةً أربعين يومًا، ثم تكون مُضْغة أربعين يومًا، فإذا بلغ أن يُخلق، بعث الله ملكًا يصوِّرها. فيأتي الملك بتراب بين إصبعيه، فيخلطه في المضْغة، ثم يعجنه بها، ثم يصوّرها كما يؤمر، فيقول: أذكر أو أنثى؟ أشقي أو سعيد، وما رزقه؟ وما عمره؟ وما أثره؟وما مصائبه؟ فيقول الله، ويكتب الملك. فإذا مات ذلك الجسدُ، دُفن حيث أخذ ذلك التراب. (52)
6570 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء "، قادرٌ والله ربُّنا أن يصوّر عبادَه في الأرحام كيف يشاء، من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تامّ خلقُه وغير تامّ.
* * *
القول في تأويل قوله : لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
قال أبو جعفر: وهذا القول تنـزيه من الله تعالى ذكره نفسَه أن يكون له في ربوبيته ندّ أو مِثل، أو أن تَجوز الألوهة لغيره = وتكذيبٌ منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا، من وفد نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر من كان على مثل الذي كانوا عليه من قولهم في عيسى، ولجميع من ادّعى مع الله معبودًا، أو أقرّ بربوبية غيره. (53) ثم أخبر جل ثناؤه خلقه بصفته، وعيدًا منه لمن عبد غيره، أو أشرك في عبادته أحدًا سواه، فقال: " هو العزيز " الذي لا ينصر من أرادَ الانتقام منه أحدٌ، ولا ينجيه منه وَأْلٌ ولا لَجَأٌ، (54) وذلك لعزته التي يذلُّ لها كل مخلوق، ويخضع لها كل موجود. (55) ثم أعلمهم أنه " الحكيم " في تدبيره وإعذاره إلى خلقه، ومتابعة حججه عليهم، ليهلك من هلك منهم عن بيّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة، (56) كما:-
6571 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: ثم قال - يعني الرب عز وجل -: إنـزاهًا لنفسه، وتوحيدًا لها مما جعلوا معه: " لا إله إلا هو العزيز الحكيم "، قال: العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء، (57) والحكيم في عُذْره وحجته إلى عباده. (58)
6572 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " لا إله إلا هو العزيز الحكيم "، يقول: عزيز في نقمته، حكيمٌ في أمره.
__________________________
الهوامش :
(49) في المطبوعة: "ممن صوره" بإسقاط الفاء من أولها. والصواب من المخطوطة.
(50) "أي" ساقطة من المخطوطة والمطبوعة ، وأثبتها من سيرة ابن هشام ، وقد مضى نهج ابن إسحاق على ذلك في الآثار السالفة.
(51) الأثر: 6567 - هو من بقية الآثار التي آخرها رقم: 6566 عن ابن إسحاق.
(52) الأثر: 6569- قد مضى الكلام في هذا الإسناد في رقم: 168. وحديث خلق الآدمي في بطن أمه بغير هذا اللفظ ، وبغير هذا الإسناد في مسلم 16: 189-195 ، وفي البخاري في كتاب"بدء الخلق" في باب ذكر الملائكة. وفي كتاب"الحيض" باب: مخلقة وغير مخلقة.
(53) قوله: "ولجميع من ادعى..." معطوف على قوله: "وتكذيب للذين قالوا..".
(54) "وأل" (بفتح الواو وسكون الهمزة ، على وزن سمع): هو الموئل ، وهو الملجأ الذي يفر إليه الخائف. و"لجأ" (بفتح اللام والجيم): هو الملجأ ، وهو المعقل الذي يحتمى به.
(55) انظر فهارس اللغة (عزز) فيما سلف.
(56) انظر فهارس اللغة (حكم) فيما سلف.
(57) في المطبوعة والمخطوطة: "في نصرته" وهو خطأ في المعنى ، فإن"النصرة" ، اسم من"النصر" وهو لا مكان له هنا. وأما "الانتصار" فهو: الانتقام. وانتصر منه: انتقم.
(58) في ابن هشام: "في حجته وعذره إلى عباده" ، وهي أجود لمكان"إلى" من الكلام. أعذر إليه إعذارًا وعذرًا: بلغ الغاية في إرشاده حتى لم يبق موضع للاعتذار.

تفسير هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ 7

هو الذي أنزل عليك الكتاب
القول في تأويل قوله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } يعني بقوله جل ثناؤه : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } أن الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , { هو الذي أنزل عليك الكتاب } يعني بالكتاب : القرآن . وقد أتينا على البيان فيما مضى عن السبب الذي من أجله سمي القرآن كتابا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
وأما قوله : { منه آيات محكمات } فإنه يعني من الكتاب آيات , يعني بالآيات آيات القرآن . وأما المحكمات : فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل , وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جعلن أدلة عليه من حلال وحرام , ووعد ووعيد , وثواب وعقاب , وأمر وزجر , وخبر ومثل , وعظة وعبر , وما أشبه ذلك . ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن هن أم الكتاب , يعني بذلك أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود , وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم , وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم . وإنما سماهن أم الكتاب , لأنهن معظم الكتاب , وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه , وكذلك تفعل العرب , تسمي الجامع معظم الشيء أما له , فتسمي راية القوم التي تجمعه في العساكر أمهم , والمدبر معظم أمر القرية والبلدة أمها . وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته . ووحد أم الكتاب , ولم يجمع فيقول : هن أمهات الكتاب , وقد قال هن لأنه أراد جميع الآيات المحكمات أم الكتاب , لا أن كل آية منهن أم الكتاب , ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهن أم الكتاب , لكان لا شك قد قيل : هن أمهات الكتاب . ونظير قول الله عز وجل : { هن أم الكتاب } على التأويل الذي قلنا في توحيد الأم وهي خبر ل " هن " قوله تعالى ذكره : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } 23 50 ولم يقل آيتين , لأن معناه : وجعلنا جميعهما آية , إذ كان المعنى واحدا فيما حملا فيه للخلق عبرة . ولو كان مراده الخبر عن كل واحد منهما على انفراده , بأنه جعل للخلق عبرة , لقيل : وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين ; لأنه قد كان في كل واحد منهما لهم عبرة . وذلك أن مريم ولدت من غير رجل , ونطق ابنها فتكلم في المهد صبيا , فكان في كل واحد منهما للناس آية . وقد قال بعض نحويي البصرة : إنما قيل : { هن أم الكتاب } ولم يقل : " هن أمهات الكتاب " على وجه الحكاية , كما يقول الرجل : ما لي أنصار , فتقول : أنا أنصارك , أو ما لي نظير , فتقول : نحن نظيرك . قال : وهو شبيه " دعني من تمرتان " , وأنشد لرجل من فقعس : تعرضت لي بمكان حل تعرض المهرة في الطول تعرضا لم تأل عن قتلا لي حل أي يحل به , على الحكاية , لأنه كان منصوبا قبل ذلك , كما يقول : نودي : الصلاة الصلاة , يحكي قول القائل : الصلاة الصلاة ! وقال : قال بعضهم : إنما هي أن قتلا لي , ولكنه جعله " عن " لأن أن في لغته تجعل موضعها " عن " والنصب على الأمر , كأنك قلت : ضربا لزيد . وهذا قول لا معنى له , لأن كل هذه الشواهد التي استشهد بها , لا شك أنهن حكايات حالتهن بما حكى عن قول غيره وألفاظه التي نطق بهن , وأن معلوما أن الله جل ثناؤه لم يحك عن أحد قوله : أم الكتاب , فيجوز أن يقال : أخرج ذلك مخرج الحكاية عمن قال ذلك كذلك . وأما قوله { وأخر } فإنها جمع أخرى . ثم اختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها لم يصرف " أخر " , فقال بعضهم : لم يصرف أخر من أجل أنها نعت واحدتها أخرى , كما لم تصرف جمع وكتع , لأنهن نعوت . وقال آخرون : إنما لم تصرف الأخر لزيادة الياء التي في واحدتها , وأن جمعها مبني على واحدها في ترك الصرف , قالوا : وإنما ترك صرف أخرى , كما ترك صرف حمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزيادة المدة فيها والهمزة بالواو , ثم افترق جمع حمراء وأخرى , فبني جمع أخرى على واحدته , فقيل : فعل أخر , فترك صرفها كما ترك صرف أخرى , وبني جمع حمراء وبيضاء على خلاف واحدته , فصرف , فقيل حمر وبيض . فلاختلاف حالتيهما في الجمع اختلف إعرابهما عندهم في الصرف , ولاتفاق حالتيهما في الواحدة اتفقت حالتاهما فيها . وأما قوله : { متشابهات } فإن معناه : متشابهات في التلاوة , مختلفات في المعنى , كما قال جل ثناؤه : { وأتوا به متشابها } 2 25 يعني في المنظر : مختلفا في المطعم , وكما قال مخبرا عمن أخبر عنه من بني إسرائيل أنه قال : { إن البقر تشابه علينا } 2 70 يعنون بذلك : تشابه علينا في الصفة , وإن اختلفت أنواعه . فتأويل الكلام إذا : إن الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , هو الذي أنزل عليك يا محمد القرآن , منه آيات محكمات بالبيان , هن أصل الكتاب الذي عليه عمادك وعماد أمتك في الدين , وإليه مفزعك ومفزعهم فيما افترضت عليك وعليهم من شرائع الإسلام , وآيات أخر هن متشابهات في التلاوة , مختلفات في المعاني . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } وما المحكم من آي الكتاب , وما المتشابه منه ؟ فقال بعضهم : المحكمات من آي القرآن : المعمول بهن , وهن الناسخات , أو المثبتات الأحكام ; والمتشابهات من آيه : المتروك العمل بهن , المنسوخات . ذكر من قال ذلك : 5163 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا العوام , عمن حدثه , عن ابن عباس في قوله : { منه آيات محكمات } قال : هي الثلاث الآيات التي ههنا : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } 6 151 إلى ثلاث آيات , والتي في بني إسرائيل : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } 17 23 إلى آخر الآيات . 5164 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن على بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } المحكمات : ناسخه , وحلاله , وحرامه , وحدوده , وفرائضه , وما يؤمن به , ويعمل به . قال : { وأخر متشابهات } والمتشابهات : منسوخه , ومقدمه , ومؤخره , وأمثاله , وأقسامه , وما يؤمن به , ولا يعمل به . 5165 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس في قوله : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى : { وأخر متشابهات } فالمحكمات التي هي أم الكتاب : الناسخ الذي يدان به ويعمل به ; والمتشابهات : هن المنسوخات التي لا يدان بهن . 5166 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره , عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } إلى قوله : { كل من عند ربنا } أما الآيات المحكمات : فهن الناسخات التي يعمل بهن ; وأما المتشابهات : فهن المنسوخات . 5167 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } والمحكمات : الناسخ الذي يعمل به ما أحل الله فيه حلاله وحرم فيه حرامه ; وأما المتشابهات : فالمنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن 5168 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { آيات محكمات } قال : المحكم : ما يعمل به . 5169 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } قال : المحكمات : الناسخ الذي يعمل به , والمتشابهات : المنسوخ الذي لا يعمل به , ويؤمن به . 5170 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { آيات محكمات هن أم الكتاب } قال : الناسخات , { وأخر متشابهات } قال : ما نسخ وترك يتلى . * - حدثني ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك بن مزاحم , قال : المحكم ما لم ينسخ , وما تشابه منه : ما نسخ . * - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { آيات محكمات هن أم الكتاب } قال : الناسخ , { وأخر متشابهات } قال : المنسوخ . 5171 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } قال : المحكمات : الذي يعمل به . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يحدث , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { منه آيات محكمات } يعني : الناسخ الذي يعمل به , { وأخر متشابهات } يعني المنسوح , يؤمن به ولا يعمل به . * - حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سلمة , عن الضحاك : { منه آيات محكمات } قال : ما لم ينسخ , { وأخر متشابهات } قال : ما قد نسخ . وقال آخرون : المحكمات من آي الكتاب : ما أحكم الله فيه بيان حلاله وحرامه ; والمتشابه منها : ما أشبه بعضه بعضا في المعاني وإن اختلفت ألفاظه . ذكر من قال ذلك : 5172 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { منه آيات محكمات } ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك , فهو متشابه يصدق بعضه بعضا , وهو مثل قوله : { وما يضل به إلا الفاسقين } 2 26 ومثل قوله : { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } 6 125 ومثل قوله : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } 47 17 * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد . مثله . وقال آخرون : المحكمات من آي الكتاب : ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد ; والمتشابه منه : ما احتمل من التأويل أوجها . ذكر من قال ذلك : 5173 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني محمد بن جعفر بن الزبير : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } فيهن حجة الرب , وعصمة العباد , ودفع الخصوم والباطل , ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه . وأخر متشابهة في الصدق , لهن تصريف وتحريف وتأويل , ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام , لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق . وقال آخرون : معنى المحكم : ما أحكم الله فيه من آي القرآن وقصص الأمم ورسلهم الذين أرسلوا إليهم , ففصله ببيان ذلك لمحمد وأمته . والمتشابه : هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور فقصة باتفاق الألفاظ واختلافه المعاني , وقصة باختلاف الألفاظ واتفاق المعانى . ذكر من قال ذلك : 5174 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد وقرأ : { الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } 11 1 قال . وذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع وعشرين آية منها , وحديث نوح في أربع وعشرين آية منها . ثم قال : { تلك من أنباء الغيب } 11 49 ثم ذكر : { وإلى عاد } فقرأ حتى بلغ : { واستغفروا ربكم } 11 90 ثم مضى ثم ذكر صالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا , وفرغ من ذلك . وهذا يقين , ذلك يقين أحكمت آياته ثم فصلت . قال : والمتشابه ذكر موسى في أمكنة كثيرة , وهو متشابه , وهو كله معنى واحد ومتشابه : { اسلك فيها } 23 27 { احمل فيها } 11 40 { اسلك يدك } 28 32 { أدخل يدك } 27 12 { حية تسعى } 20 20 { ثعبان مبين } 7 107 قال . ثم ذكر هودا في عشر آيات منها , وصالحا في ثماني آيات منها وإبراهيم في ثماني آيات أخرى , ولوطا في ثماني آيات منها , وشعيبا في ثلاث عشرة آية , وموسى في أربع آيات , كل هذا يقضي بين الأنبياء وبين قومهم في هذه السورة , فانتهى ذلك إلى مائة آية من سورة هود , ثم قال : { ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد } 11 100 وقال في المتشابه من القرآن : من يرد الله به البلاء والضلالة , يقول : ما شأن هذا لا يكون هكذا , وما شأن هذا لا يكون هكذا ؟ وقال آخرون : بل المحكم من آي القرآن : ما عرف العلماء تأويله , وفهموا معناه وتفسيره ; والمتشابه : ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه , وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم , ووقت طلوع الشمس من مغربها , وقيام الساعة , وفناء الدنيا , وما أشبه ذلك , فإن ذلك لا يعلمه أحد . وقالوا : إنما سمى الله من آي الكتاب المتشابه الحروف المقطعة التي في أوائل بعض سور القرآن من نحو الم , والمص , والمر , والر , وما أشبه ذلك , لأنهن متشابهات في الألفاظ , وموافقات حروف حساب الجمل . وكان قوم من اليهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدة الإسلام وأهله , ويعلموا نهاية أكل محمد وأمته , فأكذب الله أحدوثتهم بذلك , وأعلمهم أن ما ابتغوا علمه من ذلك من قبل هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه ولا من قبل غيرها , وأن ذلك لا يعلمه إلا الله . وهذا قول ذكر عن جابر بن عبد الله بن رئاب أن هذه الآية نزلت فيه , وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه وعن غيره ممن قال نحو مقالته في تأويل ذلك في تفسير قوله : { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } 2 1 : 2 وهذا القول الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويل الآية , وذلك أن جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنما أنزله عليه بيانا له ولأمته وهدى للعالمين , وغير جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه , ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجة , ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل . فإذا كان ذلك كذلك , فكل ما فيه لخلقه إليه الحاجة , وإن كان في بعضه ما بهم عن بعض معانيه الغنى , وإن اضطرته الحاجة إليه في معان كثيرة , وذلك كقول الله عز وجل : { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } 6 158 فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه عباده أنها إذا جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك , هي طلوع الشمس من مغربها . فالذي كانت بالعباد إليه الحاجة من علم ذلك هو العلم منهم بوقت نفع التوبة بصفته بغير تحديده بعد بالسنين والشهور والأيام , فقد بين الله ذلك لهم بدلالة الكتاب , وأوضحه لهم على لسان رسول صلى الله عليه وسلم مفسرا . والذي لا حاجة لهم إلى علمه منه هو العلم بمقدار المدة التي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية , فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا , وذلك هو العلم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خلقه , فحجبه عنهم , وذلك وما أشبهه هو المعنى الذي طلبت اليهود معرفته في مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل قوله : الم , والمص , والر , والمر , ونحو ذلك من الحروف المقطعة المتشابهات , التي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله , وأنه لا يعلم تأويله إلا الله . فإذا كان المتشابه هو ما وصفنا , فكل ما عداه فمحكم , لأنه لن يخلو من أن يكون محكما بأنه بمعنى واحد لا تأويل له غير تأويل واحد , وقد استغني بسماعه عن بيان يبينه , أو يكون محكما , وإن كان ذا وجوه وتأويلات وتصرف في معان كثيرة , فالدلالة على المعنى المراد منه إما من بيان الله تعالى ذكره عنه أو بيان رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته , ولن يذهب علم ذلك عن علماء الأمة لما قد بينا . القول في تأويل قوله تعالى : { هن أم الكتاب } قد أتينا على البيان عن تأويل ذلك بالدلالة الشاهدة على صحة ما قلنا فيه , ونحن ذاكرو اختلاف أهل التأويل فيه . وذلك أنهم اختلفوا في تأويله , فقال بعضهم : معنى قوله : { هن أم الكتاب } هن اللائي فيهن الفرائض والحدود والأحكام , نحو قيلنا الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك : 5175 - حدثنا عمران بن موسى القزاز , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد , قال : ثنا إسحاق بن سويد , عن يحيى بن يعمر أنه قال في هذه الآية : { محكمات هن أم الكتاب } قال يحيى : هن اللاتي فيهن الفرائض والحدود وعماد الدين , وضرب لذلك مثلا فقال : أم القرى مكة , وأم خراسان مرو , وأم المسافرين الذين يجعلون إليه أمرهم , ويعنى بهم في سفرهم , قال : فذاك أمهم . 5176 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { هن أم الكتاب } قال : هن جماع الكتاب . وقال آخرون : بل معني بذلك فواتح السور التي منها يستخرج القرآن . ذكر من قال ذلك : 5177 - حدثنا عمران بن موسى , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد , قال : ثنا إسحاق بن سويد , عن أبي فاختة أنه قال في هذه الآية : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب } قال : أم الكتاب : فواتح السور , منها يستخرج القرآن ; { الم ذلك الكتاب } 2 1 : 2 منها استخرجت البقرة , و { الم الله لا إله إلا هو } منها استخرجت آل عمران .فأما الذين في قلوبهم زيغ
القول في تأويل قوله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني بذلك جل ثناؤه : فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق , وانحراف عنه . يقال منه : زاغ فلان عن الحق , فهو يزيغ عنه زيغا وزيغانا وزيوغة وزيوغا , وأزاغه الله : إذا أماله , فهو يزيغه , ومنه قوله جل ثناؤه : { ربنا لا تزغ قلوبنا } لا تملها عن الحق { بعد إذ هديتنا } 3 8 وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 5178 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي ميل عن الهدى . 5179 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { في قلوبهم زيغ } قال : شك . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 5180 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال : من أهل الشك . 5181 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أما الزيغ : فالشك . 5182 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال : { زيغ } شك . قال ابن جريج { الذين في قلوبهم زيغ } المنافقون .فيتبعون ما تشابه منه
القول في تأويل قوله تعالى : { فيتبعون ما تشابه منه } يعني بقوله جل ثناؤه : { فيتبعون ما تشابه منه } ما تشابهت ألفاظه وتصرفت معانيه بوجوه التأويلات , ليحققوا بادعائهم الأباطيل من التأويلات في ذلك ما هم عليه من الضلالة والزيغ عن محجة الحق تلبيسا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه . كما : 5183 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : { فيتبعون ما تشابه منه } فيحملون المحكم على المتشابه , والمتشابه على المحكم , ويلبسون , فلبس الله عليهم . 5184 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فيتبعون ما تشابه منه } أي ما تحرف منه وتصرف , ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا , ليكون لهم حجة على ما قالوا وشبهة . 5185 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : { فيتبعون ما تشابه منه } قال : الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه ابتغاء تأويله . وقال آخرون في ذلك بما : 5186 - حدثني به موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { فيتبعون ما تشابه منه } يتبعون المنسوخ والناسخ , فيقولون : ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مجاز هذه الآية , فتركت الأولى وعمل بهذه الأخرى ؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى التي نسخت . وما باله يعد العذاب من عمل عملا يعد به النار وفي مكان آخر من عمله فإنه لم يوجب النار . واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية , فقال بعضهم : عني به الوفد من نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فحاجوه بما حاجوه به , وخاصموه بأن قالوا : ألست تزعم أن عيسى روح الله وكلمته ؟ وتأولوا في ذلك ما يقولون فيه من الكفر . ذكر من قال ذلك : 5187 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : عمدوا - يعني الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى نجران - فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم , قالوا : ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ قال : " بلى " , قالوا : فحسبنا ! فأنزل الله عز وجل : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } ثم إن الله جل ثناؤه أنزل : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } . .. الآية . 3 59 وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية في أبي ياسر بن أخطب , وأخيه حيي بن أخطب , والنفر الذين ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدر مدة أكله وأكل أمته , وأرادوا علم ذلك من قبل قوله : الم , والمص والمر , والر فقال الله جل ثناؤه فيهم : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني هؤلاء اليهود الذين قلوبهم مائلة عن الهدى والحق , { فيتبعون ما تشابه منه } يعني معاني هذه الحروف المقطعة المحتملة التصريف في الوجوه المختلفة التأويلات ابتغاء الفتنة . وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل في أول السورة التي تذكر فيها البقرة . وقال آخرون : بل عنى الله عز وجل بذلك كل مبتدع في دينه بدعة مخالفة لما ابتعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بتأويل يتأوله من بعض آي القرآن المحتملة التأويلات , وإن كان الله قد أحكم بيان ذلك , أما في كتابه وإما على لسان رسوله . ذكر من قال ذلك : 5188 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } . وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم . ولعمري لقد كان في أهل بدر والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار , خبر لمن استخبر , وعبرة لمن استعبر , لمن كان يعقل أو يبصر . إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير بالمدينة والشام والعراق وأزواجه يومئذ أحياء , والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حروريا قط , ولا رضوا الذي هم عليه ولا مالئوهم فيه , بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ونعته الذي نعتهم به , وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم وتشتد والله عليهم أيديهم إذا لقوهم . ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع , ولكنه كان ضلالا فتفرق , وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافا كثيرا , فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل , فهل أفلحوا فيه يوما أو أنجحوا ؟ يا سبحان الله كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم ؟ لو كانوا على هدى قد أظهره الله وأفلجه ونصره , ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه , فهم كما رأيتهم كلما خرج لهم قرن أدحض الله حجتهم , وأكذب أحدوثتهم , وأهرق دماءهم ; وإن كتموا كان قرحا في قلوبهم وغما عليهم , وإن أظهروه أهرق الله دماءهم , ذاكم والله دين سوء فاجتنبوه . والله إن اليهود لبدعة , وإن النصرانية لبدعة , وإن الحرورية لبدعة , وإن السبئية لبدعة , ما نزل بهن كتاب ولا سنهن نبي . * - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } طلب القوم التأويل فأخطئوا التأويل , وأصابوا الفتنة , فاتبعوا ما تشابه منه فهلكوا من ذلك . لعمري لقد كان في أصحاب بدر والحديبية الذين شهدوا بيعة الرضوان . وذكر نحو حديث عبد الرزاق , عن معمر , عنه . 5189 - حدثني محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم , قالا : ثنا إسماعيل بن علية , عن أيوب , عن عبد الله بن أبي مليكة , عن عائشة قالت : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى قوله : { وما يذكر إلا أولوا الألباب } فقال : " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . * - حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : سمعت أيوب , عن عبد الله بن أبي مليكة , عن عائشة أنها قالت : قرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى : { وما يذكر إلا أولوا الألباب } . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه " أو قال : ويتجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم قال مطر , عن أيوب أنه قال : " فلا تجالسوهم , فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , بنحو معناه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , نحوه . 5190 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا الحارث , عن أيوب , عن ابن أبي مليكة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قرأ رسول الله هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } . .. الآية كلها , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله أولئك الذين قال الله : فلا تجالسوهم " . 5191 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو أسامة , عن يزيد بن إبراهيم , عن ابن أبي مليكة , قال : سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة , قالت : تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } ثم قرأ إلى آخر الآيات , فقال : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه , فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " . 5192 - حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا الوليد بن مسلم , عن حماد بن سلمة , عن عبد الرحمن بن القاسم , عن أبيه , عن عائشة , قالت : نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يتبعون ما تشابه منه } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد حذركم الله , فإذا رأيتموهم فاعرفوهم " . 5193 - حدثنا علي , قال : ثنا الوليد , عن نافع , عن عمر , عن عائشة , قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتموهم فاحذروهم ! " , ثم نزع : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } " ولا يعلمون بمحكمه " . * - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال : أخبرنا عمي , قال : أخبرني شبيب بن سعيد , عن روح بن القاسم , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } فقال : " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . * - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا خالد بن نزار , عن نافع , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة في هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } . .. الآية . يتبعها : يتلوها , ثم يقول : " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فاحذروهم فهم الذين عنى الله " . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن حماد بن سلمة , عن ابن أبي مليكة , عن القاسم , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } إلى آخر الآية , قال : " هم الذين سماهم الله , فإذا رأيتموهم فاحذروهم " . قال أبو جعفر : والذي يدل عليه ظاهر هذه الآية أنها نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتشابه ما أنزل إليه من كتاب الله إما في أمر عيسى , وإما في مدة أكله وأكل أمته , وهو بأن تكون في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتشابهه في مدته ومدة أمته أشبه , لأن قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } دال على أن ذلك إخبار عن المدة التي أرادوا علمها من قبل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله . فأما أمر عيسى وأسبابه , فقد أعلم الله ذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته وبينه لهم , فمعلوم أنه لم يعن إلا ما كان خفيا عن الآحاد .ابتغاء الفتنة
القول في تأويل قوله تعالى : { ابتغاء الفتنة } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم : معنى ذلك : ابتغاء الشرك . ذكر من قال ذلك : 5194 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ابتغاء الفتنة } قال : إرادة الشرك . 5195 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { ابتغاء الفتنة } يعني الشرك . وقال آخرون : معنى ذلك ابتغاء الشبهات . ذكر من قال ذلك : 5196 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ابتغاء الفتنة } قال : الشبهات بها أهلكوا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { ابتغاء الفتنة } الشبهات , قال : هلكوا به . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ابتغاء الفتنة } قال : الشبهات , قال : والشبهات ما أهلكوا به . 5197 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير : { ابتغاء الفتنة } أي اللبس . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : إرادة الشبهات واللبس . فمعنى الكلام إذا : فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وحيف عنه , فيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه , واحتمل صرفه في وجوه التأويلات , باحتماله المعاني المختلفة إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره , احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه . وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك , فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله بدعة , فمال قلبه إليها , تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن , ثم حاج به وجادل به أهل الحق , وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات إرادة منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين , وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك كائنا من كان , وأي أصناف البدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية , أو كان سبئيا , أو حروريا , أو قدريا , أو جهميا , كالذي قال صلى الله عليه وسلم : " فإذا رأيتم الذين يجادلون به فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . وكما : 5198 - حدثني يونس , قال : أخبرنا سفيان , عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , عن ابن عباس : وذكر عنده الخوارج , وما يلقون عند الفرار , فقال : يؤمنون بمحكمه , ويهلكون عند متشابهه . وقرأ ابن عباس : { وما يعلم تأويله إلا الله } . .. الآية . وإنما قلنا : القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله : { ابتغاء الفتنة } لأن الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهل شرك , وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله اللبس على المسلمين والاحتجاج به عليهم ليصدوهم عما هم عليه من الحق , فلا معنى لأن يقال : فعلوا ذلك إرادة الشرك , وهم قد كانوا مشركين .وابتغاء تأويله
القول في تأويل قوله تعالى : { وابتغاء تأويله } اختلف أهل التأويل في معنى التأويل الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله : { وابتغاء تأويله } فقال بعضهم معنى ذلك : الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدة أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمته من قبل الحروف المقطعة من حساب الجمل " الم " , و " المص " , و " الر " , و " المر " وما أشبه ذلك من الآجال . ذكر من قال ذلك : 5199 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس : أما قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } يعني تأويله يوم القيامة إلا الله . وقال آخرون : بل معنى ذلك . عواقب القرآن . وقالوا : إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله جل ثناؤه شرعها لأهل الإسلام قبل مجيئه , فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك . ذكر من قال ذلك : 5200 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وابتغاء تأويله } أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن , وهو عواقبه , قال الله : { وما يعلم تأويله إلا الله } , وتأويله عواقبه , متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ . وقال آخرون : معنى ذلك : وابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن يتأولونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريف في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزيغ , وما ركبوه من الضلالة . ذكر من قال ذلك : 5201 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وابتغاء تأويله } وذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم , خلقنا وقضينا . والقول الذي قاله ابن عباس من أن ابتغاء التأويل الذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدة , ووقت قيام الساعة , والذي ذكرنا عن السدي من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وقت هو جاء قبل مجيئه أولى بالصواب , وإن كان السدي قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره على أن معناه : إن القوم طلبوا معرفة وقت مجيء الناسخ لما قد أحكم قبل ذلك . وإنما قلنا : إن طلب القوم معرفة الوقت الذي هو جاء قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم بمتشابه آي القرآن , أولى بتأويل قوله : { وابتغاء تأويله } لما قد دللنا عليه قبل من إخبار الله جل ثناؤه أن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله , ولا شك أن معنى قوله : " قضينا " و " فعلنا " , قد علم تأويله كثير من جهلة أهل الشرك , فضلا عن أهل الإيمان وأهل الرسوخ في العلم منهم .وما يعلم تأويله إلا الله
القول في تأويل قوله تعالى : { وما يعلم تأويله إلا الله } يعني جل ثناؤه بذلك : وما يعلم وقت قيام الساعة وانقضاء مدة أكل محمد وأمته وما هو كائن , إلا الله , دون من سواه من البشر الذين أملوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة . وأما الراسخون في العلم , فيقولون : آمنا به كل من عند ربنا , لا يعلمون ذلك , ولكن فضل علمهم في ذلك على غيرهم العلم بأن الله هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , وهل الراسخون معطوف على اسم الله , بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه , أو هم مستأنف ذكرهم بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون آمنا بالمتشابه , وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله ؟ فقال بعضهم : معنى ذلك : وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلمه . وأما الراسخون في العلم فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون : آمنا بالمتشابه والمحكم , وأن جميع ذلك من عند الله . ذكر من قال ذلك : 5202 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال : ثنا خالد بن نزار , عن نافع , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة , قوله : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } قالت : كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه , ولم يعلموا تأويله . 5203 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , قال : كان ابن عباس يقول : { وما يعلم تأويله إلا الله } يقول الراسخون : آمنا به . 5204 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني ابن أبي الزناد , قال : قال هشام بن عروة : كان أبي يقول في هذه الآية : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله , ولكنهم يقولون : { آمنا به كل من عند ربنا } 5205 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا عبيد الله , عن أبي نهيك الأسدي قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } فيقول : إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا . 5206 - حدثنا المثنى , قال : ثنا ابن دكين , قال : ثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب , قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : { الراسخون في العلم } انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا : { آمنا به كل من عند ربنا } 5207 - حدثني يونس , قال : أخبرنا أشهب , عن مالك في قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله } قال : ثم ابتدأ فقال : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } وليس يعلمون تأويله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم , وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم { يقولون آمنا به كل من عند ربنا } ذكر من قال ذلك : 5208 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله . 5209 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد . { والراسخون في العلم } يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { والراسخون في العلم } يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . 5210 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { والراسخون في العلم } يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . 5211 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وما يعلم تأويله } الذي أراد ما أراد إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به . ( فكيف يختلف وهو قول واحد من رب واحد ؟ ) ثم ردوا تأويل المتشابهة على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد , فاتسق بقولهم الكتاب , وصدق بعضه بعضا , فنفذت به الحجة , وظهر به العذر , وزاح به الباطل , ودمغ به الكفر . فمن قال القول الأول في ذلك , وقال : إن الراسخين لا يعلمون تأويل ذلك , وإنما أخبر الله عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله , فإنه يرفع " الراسخين في العلم " بالابتداء في قول البصريين , ويجعل خبره " يقولون آمنا به " . وأما في قول بعض الكوفيين فبالعائد من ذكرهم في " يقولون " , وفي قول بعضهم بجملة الخبر عنهم , وهي ويقولون " . ومن قال القول الثاني , وزعم أن الراسخين يعلمون تأويله عطف بالراسخين على اسم الله فرفعهم بالعطف عليه . والصواب عندنا في ذلك , أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو " يقولون " , لما قد بينا قبل من أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله عز وجل في هذه الآية , وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة أبي : " ويقول الراسخون في العلم " كما ذكرناه عن ابن عباس أنه كان يقرؤه ; وفي قراءة عبد الله : إن تأويله إلا عند الله " والراسخون في العلم يقولون " . وأما معنى التأويل في كلام العرب : فإنه التفسير والمرجع والمصير , وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى : على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا وأصله من آل الشيء إلى كذا , إذا صار إليه ورجع يئول أولا وأولته أنا : صيرته إليه . وقد قيل : إن قوله : { وأحسن تأويلا } 4 59 أي جزاء , وذلك أن الجزاء هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه . ويعني بقوله : وتأول حبها " : تفسير حبها ومرجعه , وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيرا في قلبه , فآل من الصغر إلى العظم , فلم يزل ينبت حتى أصحب فصار قديما كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمه . وقد ينشد هذا البيت : على أنها كانت توابع حبها توالى ربعي السقاب فأصحباوالراسخون في العلم يقولون آمنا به
القول في تأويل قوله تعالى : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } يعني بالراسخين في العلم : العلماء الذين قد أتقنوا علمهم ووعوه فحفظوه حفظا لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شك ولا لبس , وأصل ذلك من رسوخ الشيء في الشيء , وهو ثبوته وولوجه فيه , يقال منه : رسخ الإيمان في قلب فلان فهو يرسخ رسخا ورسوخا . وقد روي في نعتهم خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم , وهو ما : 5212 - حدثنا موسى بن سهل الرملي , قال : ثنا محمد بن عبد الله , قال : ثنا فياض بن محمد الرقي , قال : ثنا عبد الله بن يزيد بن آدم , عن أبي الدرداء وأبي أمامة , قالا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الراسخ في العلم ؟ قال : " من برت يمينه , وصدق لسانه , واستقام له قلبا , وعف بطنه , فذلك الراسخ في العلم " . 5213 - حدثني المثنى وأحمد بن الحسن الترمذي , قالا : ثنا نعيم بن حماد , قال : ثنا فياض الرقي , قال : ثنا عبد الله بن يزيد الأودي - قال : وكان أدرك أصحاب رسول الله - قال : حدثنا أنس بن مالك وأبو أمامة وأبو الدرداء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم , فقال : " من برت يمينه , وصدق لسانه , واستقام به قلبه , وعف بطنه وفرجه ; فذلك الراسخ في العلم " . وقد قال جماعة من أهل التأويل : إنما سمى الله عز وجل هؤلاء القوم الراسخين في العلم بقولهم : { آمنا به كل من عند ربنا } . ذكر من قال ذلك : 5214 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن جابر , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال : { الراسخون في العلم يقولون آمنا به } قال : الراسخون الذين يقولون آمنا به كل من عند ربنا . 5215 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { والراسخون في العلم } هم المؤمنون , فإنهم { يقولون آمنا به } بناسخه ومنسوخه { كل من عند ربنا } 5216 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : قال ابن عباس : قال عبد الله بن سلام : { الراسخون في العلم } وعلمهم قولهم . قال ابن جريج : { الراسخون في العلم يقولون آمنا به } وهم الذين يقولون : { ربنا لا تزغ قلوبنا } ويقولون : { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } . .. الآية . وأما تأويل قوله : { يقولون آمنا به } فإنه يعني : أن الراسخين في العلم يقولون صدقنا بما تشابه من آي الكتاب , وأنه حق , وإن لم نعلم تأويله . وقد : 5217 - حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سلمة بن نبيط , عن الضحاك : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } قال : المحكم والمتشابه .كل من عند ربنا
القول في تأويل قوله تعالى : { كل من عند ربنا } يعني بقوله جل ثناؤه : { كل من عند ربنا } كل المحكم من الكتاب والمتشابه منه من عند ربنا , وهو تنزيله ووحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما : 5218 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن جابر , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله : { كل من عند ربنا } قال : يعني ما نسخ منه , وما لم ينسخ . 5219 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } قالوا : { كل من عند ربنا } آمنوا بمتشابهه , وعملوا بمحكمه . 5220 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { كل من عند ربنا } يقولون : المحكم والمتشابه من عند ربنا . 5221 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } يؤمن بالمحكم ويدين به , ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به , وهو من عند الله كله . 5222 - حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال : ثنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله : { والراسخون في العلم } يعملون به , يقولون : نعمل بالمحكم ونؤمن به , ونؤمن بالمتشابه ولا نعمل به , وكل من عند ربنا . واختلف أهل العربية في حكم " كل " إذا أضمر فيها . فقال بعض نحويي البصريين : إذا جاز حذف المراد الذي كان معها الذي " الكل " إليه مضاف في هذا الموضع لأنها اسم , كما قال : { إنا كل فيها } 40 48 بمعنى : إنا كلنا فيها , قال : ولا يكون " كل " مضمرا فيها وهي صفة , لا يقال : مررت بالقوم كل , وإنما يكون فيها مضمر إذا جعلتها اسما لو كان إنا كلا فيها على الصفة , لم يجز , لأن الإضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان . وكان بعض نحويي الكوفيين يرى الإضمار فيها وهي صفة أو اسم سواء , لأنه غير جائز أن يحذف ما بعدها عنده إلا وهي كافية بنفسها عما كانت تضاف إليه من المضمر , وغير جائز أن تكون كافية منه في حال , ولا تكون كافية في أخرى , وقال : سبيل الكل والبعض في الدلالة على ما بعدهما بأنفسهما وكفايتهما منه , بمعنى واحد في كل حال , صفة كانت أو اسما , وهذا القول الثاني أولى بالقياس , لأنها إذا كانت كافية بنفسها مما حذف منها في حال لدلالتها عليه , فالحكم فيها أنها كلما وجدت دالة على ما بعدها , فهي كافية منه .وما يذكر إلا أولو الألباب
القول في تأويل قوله تعالى : { وما يذكر إلا أولوا الألباب } يعني بذلك جل ثناؤه : وما يتذكر ويتعظ وينزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب الله ما لا علم له به إلا أولو العقول والنهى . وقد : 5223 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وما يذكر إلا أولوا الألباب } يقول : وما يتذكر في مثل هذا , يعني في رد تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم حتى يتسقا على معنى واحد , إلا أولو الألباب .

تفسير رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ 8

القول في تأويل قوله : رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أنّ الراسخين في العلم يقولون: آمنا بما تشابه من آي كتاب الله، وأنه والمحكم من آيه من تنـزيل ربنا ووحيه. ويقولون أيضًا: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا "، يعني أنهم يقولون = رغبةً منهم إلى ربهم في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن، ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله الذي لا يعلمه غيرُ الله =: يا ربنا، لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك =" لا تزغ قلوبنا "، لا تملها فتصرفها عن هُدَاك بعد إذ هديتنا له، فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه =" وهب لنا " يا ربنا =" من لدنك رحمة "، يعني: من عندك رحمة، يعني بذلك: هب لنا من عندك توفيقًا وثباتًا للذي نحن عليه من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه =" إنك أنتَ الوهاب "، يعني: إنك أنت المعطي عبادك التوفيقَ والسدادَ للثبات على دينك، وتصديق كتابك ورسلك، كما:-
6649 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا "، أي: لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا (161) =" وهب لنا من لدنك رحمة ". (162)
* * *
قال أبو جعفر: وفي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به = من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم، وأن يعطيهم رحمةً منه معونة لهم للثبات على ما هُم عليه من حسن البصيرة بالحق الذي هم عليه مقيمون = ما أبان عن خطأ قول الجهَلة من القدَرية: (163) أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته وإمالته له عنها، جَوْرٌ. لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان الذين قالوا: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعدَ إذ هدَيتنا "، بالذم أولى منهم بالمدح. لأن القول لو كان كما قالوا، لكان القوم إنما سألوا ربَّهم = بمسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم (164) = أن لا يظلمهم ولا يجورَ عليهم. وذلك من السائل جهلٌ، لأن الله جل ثناؤه لا يظلم عبادَه ولا يجور عليهم. وقد أعلم عبادَه ذلك ونَفاه عن نفسه بقوله: وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ [سورة فصلت: 46]. ولا وجه لمسألته أن يكون بالصفة التي قد أخبرهم أنه بها. وفي فساد ما قالوا من ذلك، الدليلُ الواضح على أن عدلا من الله عز وجل: إزاغةُ من أزاغَ قلبه من عباده عن طاعته، فلذلك استحقّ المدحَ مَنْ رغب إليه في أن لا يزيغه، لتوجيهه الرغبة إلى أهلها، ووضعه مسألته موضعها، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برغبته إلى ربه في ذلك، مع محله منه وكرامته عليه.
6650 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك! ثم قرأ: " ربنا لا تُزغ قُلوبنا بعدَ إذ هديتنا "، إلى آخر الآية. (165)
6651 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أسماء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحوه. (166)
6652 - حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال، حدثنا شهر بن حوشب قال: سمعت أم سلمة تحدّث: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك! قالت: قلتُ: يا رسول الله، وإن القلب ليقلَّب؟ قال: نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا وقلبه بين إصبعين من أصابعه، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدَانا، ونسأله أن يهبَ لنا من لدنه رحمةً إنه هو الوهاب. قالت: قلتُ: يا رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى؛ قولي: اللهم ربّ النبي محمدٍ، اغفر لي ذنبي، وأذهب غَيظَ قلبي، وأجرني من مُضِلات الفتن. (167)
6653 - حدثني محمد بن منصور الطوسي قال، حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك. فقال له بعض أهله: يُخاف علينا وقد آمنا بك وبما جئت به؟! قال: إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن تبارك وتعالى، يقول بهما هكذا = وحرّك أبو أحمد إصبعيه = قال أبو جعفر: وإن الطوسي وَسَق بين إصبعيه. (168)
6654 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا أبو معاوية قال، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقول: " يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك. قلنا: يا رسول الله، قد آمنا بك، وصدّقنا بما جئت به، فيُخاف علينا؟! قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبها تبارك وتعالى. (169)
6655 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا بشر بن بكر = وحدثني علي بن سهل قال، حدثنا أيوب بن بشر = جميعًا، عن ابن جابر قال: سمعت بُسْر بن عبيد الله قال، سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت النوَّاس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن: إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قُلوبنا على دينك - والميزان بيَد الرحمن، يرفع أقوامًا ويخفضُ آخرين إلى يوم القيامة. (170)
6656 - حدثني عمر بن عبد الملك الطائي قال، حدثنا محمد بن عبيدة قال، حدثنا الجرّاح بن مليح البهراني، عن الزبيدي، عن جويبر، عن سمرة بن فاتك الأسْدي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الموازين بيد الله، يرفع أقوامًا ويضع أقوامًا، وقلبُ ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أزاغه، وإذا شاء أقامه. (171)
6657- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح قال، أخبرني أبو هانئ الخولاني: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرّحمن كقلبٍ واحد، يصرّف كيف يشاء. ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ مصرِّف القلوب صرِّف قُلوبَنا إلى طاعتك. (172)
6658 - حدثنا الربيع بن سليمان قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال، حدثنا شهر بن حوشب قال: سمعت أم سلمة تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم ثبت قلبي على دينك. قالت: قلت: يا رسول الله، وإن القلوب لتقلَّب؟ قال: نعم، ما من خلق الله من بني آدم بشرٌ إلا إنّ قلبه بين إصبعين من أصابع الله، إن شاءَ أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدُنه رحمةً إنه هو الوهاب. (173)
___________________________
الهوامش :
(161) في المطبوعة: "بأجسادنا" ، وهو لا معنى له ، وهو تحريف للرواية عن ابن إسحاق. وصوابها من المخطوطة وابن هشام 2: 226. والأحداث جمع حدث: وهو الفعل. يسألون الله أن يثبت قلوبهم بالإيمان ، وإن مالت أفعالهم إلى بعض المعصية.
(162) الأثر: 6649- هو بقية الآثار السالفة التي آخرها رقم: 6648.
(163) القدرية: هم نفاة القدر والصفات ، ويعني المعتزلة.
(164) في المطبوعة: "مسألتهم" بحذف الباء ، والصواب من المخطوطة.
(165) الحديث: 6650- هذا إسناد صحيح.
عبد الحميد بن بهرام: ثقة ، مضت ترجمته في: 1605. وشهر بن حوشب: ثقة أيضًا ، كما قلنا في: 1489.
وهذا الحديث مختصر. وسيأتي مطولا في: 6652 ، ونخرجه هناك ، إن شاء الله. ويأتي بأطول من هذا ومختصرًا عن ذاك ، في: 6658.
(166) الحديث: 6651 - وهذا إسناد صحيح أيضًا. ولكنه هنا من رواية شهر عن أسماء ، وهي بنت يزيد بن السكن الأنصارية. والذي قبله من رواية شهر عن أم سلمة أم المؤمنين.
ولم أجده من حديث أسماء إلا في هذه الرواية عند الطبري ، وإلا رواية ذكرها ابن كثير ، عن ابن مردويه.
قال ابن كثير 2: 102 بعد ذكر رواية أم سلمة الماضية: "ورواه ابن مردويه ، من طريق محمد بن بكار ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن ، سمعتها تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من دعائه..." - فذكر نحو الرواية التالية لهذا الحديث.
ثم قال ابن كثير: "وهكذا رواه ابن جرير ، من حديث أسد بن موسى ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به ، مثله".
ثم قال: "ورواه أيضًا عن المثنى ، عن الحجاج بن منهال ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به ، مثله".
ومن البين الواضح أن قوله في رواية ابن مردويه"عن أم سلمة ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن" - خطأ لا شك فيه. والظاهر أنه خطأ من الناسخين ، في زيادة حرف"عن". وأن صوابه"عن أم سلمة أسماء...".
و"أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية": صحابية معروفة ، وهي بنت عم معاذ بن جبل ، وكنيتها"أم سلمة". وشهر بن حوشب معروف بالرواية عنها ، بل قال ابن السكن: "هو أروى الناس عنها". وكان من مواليها.
ولم نسمع قط أن"أم سلمة أم المؤمين" روت عن أسماء هذه ، ولا روت عن غيرها من الصحابة.
وأما إشارة ابن كثير إلى روايتي الطبري من حديث"أسد بن موسى" و"الحجاج بن منهال" - عن عبد الحميد بن بهرام - وهما الروايتان الآتيتان: 6652 ، 6658 -: فهي مشكلة ، إذ توهم أنها مثل رواية ابن مردويه: "عن أم سلمة أسماء بنت يزيد".
ولعل ابن كثير ذهب إلى هذا ، ظنًا منه أن هذه الروايات التي في الطبري: 6650 ، 6652 ، 6658 ، التي فيها"عن أم سلمة" مراد بها"أم سلمة أسماء بنت يزيد".
فإن يكن هذا ظنه يكن أخطأ الظن. فإن"أم سلمة" في هذه الروايات الثلاث - هي أم المؤمنين يقينًا ، كما سيأتي في تخريج الحديث التالي لهذا: 6652.
(167) الحديث: 6652- هذه هي الرواية المطولة ، التي أشرنا إليها في: 6650 ، وسيأتي مختصرًا قليلا: 6658 ، كما قلنا من قبل.
والحديث رواه أحمد مختصرًا - في مسند أم سلمة أم المؤمنين - 6: 294 (حلبي) ، عن وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا مقلب القوب ، ثبت قلبي على دينك". وهذا نحو الرواية الماضية: 6650 ، إلا أن أبا كريب زاد فيه قراءة الآية.
ورواه أحمد أيضًا - في مسندها - 6: 301-302 ، عن هاشم -وهو ابن القاسم أبو النضر- عن عبد الحميد بن بهرام ، بهذا الإسناد ، نحوه. إلا أنه قال في آخره: "وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتنا".
ثم رواه مختصرًا ، بدون ذكر الآية ، ولا قوله"فنسأل الله ربنا" -إلخ ، 6: 315 (حلبي) ، عن معاذ بن معاذ ، قال: "حدثنا أبو كعب صاحب الحرير ، قال: حدثني شهر بن حوشب ، قال: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين ، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟..".
ثم قال عبد الله بن أحمد - عقبه -: سألت أبي عن أبي كعب؟ فقال: ثقة ، واسمه عبد ربه بن عبيد".
وكذلك رواه الترمذي 4: 266 ، عن أبي موسى الأنصاري ، عن معاذ بن معاذ ، به. وقال: "هذا حديث حسن".
وأبو كعب صاحب الحرير ، عبد ربه بن عبيد الأزدي الجرموزي: وثقه أيضًا يحيى بن سعيد ، وابن معين وغيرهما. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 41-42.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ثلاث مرات ، 6: 325 ، 7: 210 ، 10: 176 ، عن رواية المسند ، وأشار إلى أن الترمذي روى بعضه ، وأعله في موضعين بشهر بن حوشب ، "وهو ضعيف وقد وثق". وقال في الأخير: "إسناده حسن".
وذكره السيوطي 2: 8 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، دون فصل بين الروايات.
ورواه إمام الأئمة ابن خزيمة ، في كتاب التوحيد ، ص: 55 ، من رواية ابن وهب ، عن إبراهيم بن نشيط الوعلاني ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، بنحوه. وهذا إسناده صحيح أيضًا.
ورواه أبو بكر الآجري ، في كتاب الشريعة ، ص: 316 ، من وجهين آخرين ، عن أم سلمة.
ووقع في المطبوعة: "ما خلق الله من بشر ، من بني آدم" ، بالتقديم والتأخير. وأثبتنا ما في المخطوطة ، وهو الموافق لسائر الروايات التي فيها هذه الكلمة.
(168) الحديث: 6653- محمد بن منصور بن داود ، الطوسي العابد ، شيخ الطبري: ثقة ، أثنى عليه أحمد ، ووثقه النسائي وغيره.
والحديث رواه الحاكم في المستدرك 2: 288-289 ، من طريق الأعمش ، بهذا الإسناد. وصححه على شرط مسلم. ولكن أول إسناده ، من الحاكم إلى الأعمش - غير مذكور ، لأن في أصول المستدرك خرمًا في هذا الموضع. وأثبت مكانه من تلخيص الذهبي.
وذكره السيوطي 2: 9: وزاد نسبته للطبراني في السنة.
وأشار إليه الترمذي 3: 199 ، كما سنذكر في الحديث بعده.
وقوله: "يقول بهما" هو الصواب الثابت في المخطوطة. وفي المطبوعة"يقول به".
قوله: "وسق بين إصبعيه" ، وسق الشيء: جمعه. يريد: ضم إصبعيه.
(169) الحديث: 6654- رواه أحمد في المسند: 12133 ، (ج 3 ص: 112 حلبي) ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، بهذا الإسناد.
ثم رواه: 13731 (ج 3 ص: 257 حلبي) ، عن عفان ، عن عبد الواحد ، عن سليمان بن مهران - وهو الأعمش- به.
ورواه الترمذي 3: 199 ، عن هناد ، عن أبي معاوية ، به. ثم قال: "هذا حديث حسن صحيح وهكذا روى غير واحد عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس. وروى بعضهم عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث أبي سفيان عن أنس-أصح".
يريد الترمذي تعليل الحديث الذي قبل هذا. وهي علة غير قائمة. وأبو سفيان طلحة بن نافع: تابعي ثقة ، سمع من جابر ومن أنس ، وأخرج له أصحاب الكتب الستة. وكثيرًا ما يسمع التابعي الحديث الواحد من صحابيين.
ورواه الحاكم 1: 526 ، مختصرًا ، من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش ، وصححه هو والذهبي.
ورواه ابن ماجه - مطولا - من وجه آخر ، فرواه: 3834 ، من طريق ابن نمير ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس. وقال البوصيري في زوائده: "مدار الحديث على يزيد الرقاشي ، وهو ضعيف".
وقد وهم الحافظ الدمياطي - كما ترى- في زعمه أي مداره على يزيد الرقاشي؛ وها هو ذا من رواية الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس ، كمثل رواية الرقاشي. فلم ينفرد به.
وقد جمع البخاري الوجهين في الأدب المفرد ، ص: 100. فرواه مختصرًا ، من طريق أبي الأحوص: "عن الأعمش ، عن أبي سفيان ويزيد ، عن أنس".
وذكره السيوطي 2: 8 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة.
(170) الحديث: 6655- بشر بن بكر التنيسي: ثقة مأمون. روى عنه الشافعي ، والحميدي ، وغيرهما. وأخرج له البخاري.
أيوب بن بشر: لم أجد راويًا بهذا الاسم ، ولا ما يقاربه في الرسم ، إلا رواة باسم"أيوب بن بشير" ليسوا من هذه الطبقة ، ولا يكونون في هذا الإسناد. ومن الرواة عن ابن جابر: "أيوب بن سويد الرملي". ومن القريب جدًا أن يروي عنه بلديه"علي بن سهل الرملي". ولكن تصحيف"سويد" إلى"بشر" صعب.
ابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، الأزدي الشامي الداراني. وهو ثقة ، أخرج له الجماعة. وقال ابن المديني: "يعد في الطبقة الثانية من فقهاء أهل الشأم بعد الصحابة".
بسر بن عبيد الله الحضرمي الشامي: تابعي ثقة. أخرج له الجماعة. وقال أبو مسهر: "هو أحفظ أصحاب أبي إدريس" يعني الخولاني.
و"بسر": بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة. وأبوه"عبيد الله": بالتصغير. ووقع في المطبوعة هنا"بشر". وهو تصحيف. وكذلك وقع في بعض مراجع الحديث التي سنذكر ، ووقع في بعضها اسم أبيه"عبد الله". وهو خطأ أيضًا. فيصحح هذا وذاك حيث وقع.
أبو إدريس الخولاني: عائذ الله بن عبد الله. مضت ترجمته في: 4840.
النواس: بفتح النون وتشديد الواو ، وهو صحابي معروف. والحديث رواه أحمد في المسند: 17707 (ج 4 ص: 182 حلبي) ، عن الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، بهذا الإسناد.
ورواه ابن ماجه: 199 ، من طريق صدقة بن خالد ، عن ابن جابر ، به. وقال البوصيري في زوائده: "إسناده صحيح".
ورواه إمام الأئمة ابن خزيمة ، في كتاب التوحيد ، ص: 54 ، وأبو بكر الآجري ، في كتاب الشريعة ، ص: 317-318 ، كلاهما من طريق الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 289 ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، ص: 248- عن الحاكم ، من طريق محمد بن شعيب بن شابور ، عن ابن جابر. وصححه الحاكم والذهبي على شرط الشيخين.
وهذا الموضع في المستدرك ، مخروم في أصله المطبوع عنه ، فأثبته الناشر عن مختصر الذهبي. ولكن يستفاد إسناد هذا الطريق من رواية البيهقي عن الحاكم.
ورواه الحاكم أيضًا 4: 321 ، عن أبي العباس الأصم ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم - شيخ الطبري في الإسناد الأول هنا ، بهذا الإسناد.
ورواه أيضًا 1: 525. عن الأصم ، عن بحر بن نصر ، عن بشر بن بكر ، عن ابن جابر ، به.
وقال الحاكم في الموضعين: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم"! ومن عجب أن يوافقه الذهبي على تصحيحه على شرط الشيخين من رواية ابن شابور. وابن شابور ، وإن كان ثقة ، فإنه لم يخرج له شيء في الصحيحين؛ ثم يوافقه على تصحيحه على شرط مسلم من رواية بشر بن بكر. وبشر بن بكر خرج له البخاري ، ولم يخرج له مسلم شيئًا‍!!
والحديث ذكره السيوطي 2: 9 ، وزاد نسبته للنسائي. فهو يريد السنن الكبرى ، لأنه لم يروه في السنن الصغرى.
(171) الحديث: 6656- عمر بن عبد الملك بن حكيم الطائي الحمصي - شيخ الطبري: لم أجد له إلا ترجمة موجزة في التهذيب ، فيها: "روى عنه النسائي وقال: صالح".
محمد بن عبيدة: لا أدري من هو؟ ولا وجدت له ترجمة ، إلا أن التهذيب ذكره شيخًا لعمر بن عبد الملك الطائي ، وذكره باسم: "محمد بن عبيدة ، المددي ، اليماني". ولم أجد معنى لنسبة"المددي" هذه ، بدالين. ومن المحتمل أن تكون محرفة عن"المدري" بالراء ، نسبة إلى"مدر" بفتح الميم والدال وآخرها راء ، وهي قرية باليمن ، على عشرين ميلا من صنعاء ، كما في معجم البلدان 7: 416.
الجراح بن مليح البهراني - بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء - الحمصي: ثقة ، وهو مشهور في أهل الشام. وهو غير"الجراح بن مليح بن عدي" والد"وكيع بن الجراح".
الزبيدي - بضم الزاي: هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي ، أبو الهذيل الحمصي ، قاضيها. وهو ثقة ثبت ، قال ابن سعد 7 / 2 / 169: "كان أعلم أهل الشأم بالفتوى والحديث". وكان الأوزاعي"يفضل محمد بن الوليد على جميع من سمع من الزهري".
جويبر: هكذا وقع في الطبري. والراجح الظاهر أنه تحريف من الناسخين ، ولا شأن لجويبر - وهو ابن سعيد الأزدي - في هذا الحديث. وجويبر: ضعيف جدًا ، كما بينا في: 284. وإنما الحديث معروف عن"جبير بن نفير" ، كما سيأتي.
سمرة بن فاتك الأسدي: هكذا ثبت في الطبري"سمرة" بالميم ، فتكون مضمومة مع فتح السين المهملة. وهو قول في اسمه.
والصحيح الراجح أن اسمه"سبرة" ، بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة.
وهناك صحابي آخر ، اسمه: "سمرة بن فاتك الأسدي". غير هذا. وكذلك فرق البخاري بينهما في التاريخ الكبير: 2 / 2 / 188 ، في"سبرة" و: 178 في"سمرة". وذكر هذا الحديث في"سبرة" وكذلك فرق بينهما ابن أبي حاتم 1 / 2 / 295 ، "سبرة" و: 155 ، "سمرة".
وقد قيل أيضًا في الصحابي الآخر ، الذي اسمه"سمرة" -"سبرة". وهو اضطراب من الرواة أو تصحيف. والراجح الذي صححه الحافظ في الإصابة 3: 63-64 ، 131-132: أنهما اثنان ، كما قلنا ، وأن راوي هذا الحديث هو"سبرة".
ولم أستجز تغيير ما في نص الطبري إلى الصحيح الراجح: "سبرة" - لوجود القول الآخر. فلعله وقع له في روايته هكذا.
و"سبرة": بسكون الباء الموحدة ، كما قلنا. ووقع في ضبطه في ترجمته في الإصابة خطأ شديد ، إذ قال الحافظ: "بفتح أوله وكسر ثانيه"؛ ولم يقل أحد ذلك في ضبط اسم"سبرة" مطلقًا ، بل هو نفسه ضبط اسم"سبرة" ، في غير هذه الترجمة"بسكون الموحدة". وضبط اسم هذا الصحابي بالسكون أيضًا ، في المشتبه للذهبي ، ص: 255. ولم يذكر اسم آخر بهذا الرسم بكسر الموحدة. وكذلك صنع الحافظ في تبصير المنتبه. فما وقع في الإصابة إنما هو سهو منه - رحمه الله - وسبق قلم.
و"الأسدي" - في هذه الترجمة: "بفتح الهمزة وسكون السين". وهو: الأزدي. هكذا يقال بالسين والزاي. صرح بذلك أبو القاسم في طبقات حمص". قاله الحافظ في الإصابة.
وهذا الحديث رواه البخاري في الكبير ، في ترجمة"سبرة بن فاتك". قال: "حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، عمن حدثه ، عن جبير بن نفير ، عن سبرة بن فاتك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الموازين بيد الله ، يرفع قومًا ويضع قومًا ، وقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرب عز وجل ، فإذا شاء أقامه ، وإذا شاء أزاغه".
فهكذا ثبت براو مبهم بين الزبيدي وجبير بن نفير- عنه البخاري.
وقال الحافظ في الإصابة: "وقد وقع لي في غرائب شعبة ، لابن مندة ، من طريق جبير بن نفير. عن سبرة بن فاتك ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الميزان بيد الرحمن ، يرفع أقوامًا ويضع آخرين - الحديث. وأخرجه من طريق أخرى ، فقال: سمرة".
فلم نعرف رواية ابن مندة: أفيها الرجل المبهم عن جبير بن نفير ، أم عرف باسمه فيها؟ وأنا أظن أن لو كان فيها اسمه مبهمًا لبين الحافظ ذلك. ومن المحتمل أن يكون هذا المبهم - هو"عبد الرحمن بن جبير بن نفير" فإنه يروي عن أبيه ، ويروي عنه الزبيدي.
ومما يرجح -عندي- أن هذا المبهم مذكور باسمه في بعض الروايات: أن الهيثمي ذكر هذا الحديث في مجمع الزوائد 7: 211"عن سمرة بن فاتك الأسدي" ، ثم قال: "رواه الطبراني ، ورجاله ثقات".
وذكره السيوطي 2: 8 ، ونسبه للبخاري في تاريخه ، وابن جرير ، والطبراني. ولم يزد.
في المطبوعة: "إن شاء... وإن شاء". وأثبت ما في المخطوطة. وهو الموافق لرواية الكبير للبخاري.
(172) الحديث: 6657 - أبو هانئ الخولاني- بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو: هو حميد بن هانئ المصري. وهو ثقة معروف.
أبو عبد الرحمن الحبلي - بضم الحاء المهملة والباء الموحدة: هو عبد الله بن يزيد المعافري- بفتح الميم والعين المهملة - المصري. وهو تابعي ثقة. وهو أحد العشرة من التابعين الذين ابتعثهم عمر بن عبد العزيز ليفقهوا أهل إفريقية ويعلموهم أمر دينهم. انظر كتاب رياض النفوس لأبي بكر المالكي ، ج 1 ص: 64-65 ، وطبقات علماء إفريقية لأبي العرب ، ص: 21.
والحديث رواه أحمد في المسند: 6569 ، عن أبي عبد الرحمن ، وهو المقرئ ، عن حيوة بن شريح ، بهذا الإسناد.
ورواه مسلم 2: 301 ، عن زهير بن حرب وابن نمير - كلاهما عن أبي عبد الرحمن المقرئ.
ورواه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة ، ص: 316 ، بإسنادين ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، ص: 248 - كلاهما من طريق المقرئ.
وذكره السيوطي 2: 9 ، وزاد نسبته للنسائي.
(173) الحديث: 6658- هو مختصر من الحديث: 6652. وقد وفينا تخريجه ، وأشرنا إلى هذا هناك.
ووقع هنا في المخطوطة والمطبوعة: "من بني آدم بشر". ولعل الأجود أن يكون"من بشر" ، كالروايات الأخر.

تفسير رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ 9

القول في تأويل قوله : رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه أنهم يقولون أيضًا = مع قولهم: آمنا بما تشابه من آي كتاب ربّنا، كلّ المحكم والمتشابه الذي فيه من عند ربنا =: يا ربنا،" إنك جامعُ الناس ليوم لا ريب فيه إنّ الله لا يخلف الميعاد ".
وهذا من الكلام الذي استُغنى بذكر ما ذكر منه عما ترك ذكره. وذلك أن معنى الكلام: ربنا إنك جامع الناس ليوم القيامة، فاغفر لنا يومئذ واعف عنا، فإنك لا تخلف وَعْدك: أنّ من آمن بك، واتَّبع رَسُولك، وعمل بالذي أمرتَه به في كتابك، أنك غافره يومئذ.
وإنما هذا من القوم مسألة ربَّهم أن يثبِّتهم على ما هم عليه من حُسن بَصيرتهم، (174) بالإيمان بالله ورسوله، وما جاءهم به من تنـزيله، حتى يقبضهم على أحسن أعمالهم وإيمانهم، فإنه إذا فعل ذلك بهم، وجبتْ لهم الجنة، لأنه قد وعد من فعل ذلك به من عباده أنه يُدخله الجنة.
فالآية، وإن كانت قد خرجت مخرج الخبر، فإن تأويلَها من القوم: مسألةٌ ودعاءٌ ورغبة إلى ربهم.
* * *
وأما معنى قوله: " ليوم لا ريب فيه "، فإنه: لا شك فيه. وقد بينا ذلك بالأدلة على صحته فيما مضى قبل. (175)
* * *
ومعنى قوله: " ليوم "، في يوم. وذلك يومٌ يجمع الله فيه خلقَه لفصل القضاء بينهم في موقف العَرضْ والحساب.
* * *
" والميعاد "" المفعال "، من " الوعد ".
------------------------
الهوامش :
(174) في المطبوعة: "من حسن نصرتهم" ، ولا معنى لها ، وفي المخطوطة: "نصرتهم". غير منقوطة ، والذي أثبته هو صواب قراءتها.
(175) انظر ما سلف 1: 228 ، 378 / ثم 6: 78.

تفسير إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ 10

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إنّ الذين كفروا "، إن الذين جحدوا الحق الذي قد عرفوه من نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ومنافقيهم ومنافقي العرب وكفارهم، الذين في قلوبهم زَيغٌ فهم يتَّبعون من كتاب الله المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله =" لنْ تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا "، يعني بذلك أنّ أموالهم وأولادهم لن تُنجيهم من عقوبة الله إن أحلَّها بهم - عاجلا في الدنيا على تكذيبهم بالحق بعد تبيُّنهم، (1)
واتباعهم المتشابه طلبَ اللبس - فتدفعها عنهم، ولا يغني ذلك عنهم منها شيئًا، وهم في الآخرة =" وقودُ النار "، يعني بذلك: حَطبُها. (2)
________________________________
الهوامش :
(1) في المطبوعة: "بعد تثبيتهم" ، ولا معنى لها. وفي المخطوطة "تثبيتهم" غير منقوطة ، والذي أثبته هو صواب قراءتها.
(2) انظر تفسير"الوقود" فيما سلف 1: 380.

تفسير كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ 11

القول في تأويل قوله : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا عند حلول عقوبتنا بهم، كسُنَّة آل فرعون وعادتهم = (3) =" وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" من الأمم الذين كذبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا حين جاءهم بأسنا، (4) كالذين عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربَّهم من قبل آل فرعون: من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " كدأب آل فرعون ".
فقال بعضهم: معناه: كسُنَّتهم.
ذكر من قال ذلك:
6659 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " كدأب آل فرعون "، يقول: كسنتهم.
* * *
وقال بعضهم: معناه: كعملهم.
ذكر من قال ذلك:
6660 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان = جميعًا، عن جويبر، عن الضحاك: " كدأب آل فرعون "، قال: كعمل آل فرعون.
6661 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كعمل آل فرعون.
6662 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كفعلهم، كتكذيبهم حين كذّبوا الرسل = وقرأ قول الله: مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ [سورة غافر: 31]، أن يصيبكم مثل الذي أصابهم عليه من عذاب الله. قال: الدأبُ العمل.
6663 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كفعل آل فرعون، كشأن آل فرعون.
6664 - حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كصنع آل فرعون.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون.
ذكر من قال ذلك:
6665 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم "، ذكر الذين كفروا وأفعالَ تكذيبهم، كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب.
* * *
قال أبو جعفر: وأصل " الدأب " من: " دأبت في الأمر دأْبًا "، إذا أدمنت العمل والتعب فيه. ثم إن العرب نقلت معناه إلى: الشأن، والأمر، والعادة، كما قال امرؤ القيس بن حجر:
وَإنَّ شِـــفَائِي عَــبْرَةٌ مُهَرَاقَــة
فَهَـلْ عِنْـدَ رَسْـمٍ دَارِسٍ مِـنْ مُعَوَّلِ (5)
كَــدَأْبِكَ مِــنْ أُمِّ الْحُـوَيْرِث قَبْلَهَـا
وَجَارَتِهَـــا أُمِّ الرَّبَــابِ بِمَأْسَــلِ
يعني بقوله: " كدأبك "، كشأنك وأمرك وفعلك. يقال منه: " هذا دَأبي ودأبك أبدًا ". يعني به. فعلي وفعلك، وأمري وأمرك، وشأني وشأنك، يقال منه: " دَأبْتُ دُؤُوبًا ودأْبًا ". وحكى عن العرب سماعًا: " دأبْتُ دأَبًا "، مثقله محركة الهمزة، كما قيل: " هذا شعَرٌ، ونَهَر "، (6) فتحرك ثانيه لأنه حرفٌ من الحروف الستة، (7) فألحق " الدأب " إذ كان ثانية من الحروف الستة، كما قال الشاعر: (8)
لَـهُ نَعَـلٌ لا تَطَّبِـي الكَـلْبَ رِيحُهَـا
وَإنْ وُضِعَـتْ بَيْـنَ الْمَجَـالِسِ شُـمَّتِ (9)
* * *
وأما قوله: " واللهُ شديدُ العقاب "، فإنه يعنى به: والله شديد عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجة عليه.
_____________________
الهوامش :
(3) في المخطوطة: "ودعاتهم" غير منقوطة ، والصواب ما في المطبوعة ، وإنما هو سبق قلم من الناسخ ، وهذا اللفظ هو نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 87.
(4) في المطبوعة: "فلن تغني عنهم..." ، وهو مخالف للسياق. وفي المخطوطة: "فلن تغن عنهم..." وهو سهو من الناسخ ، والصواب ما أثبت.
(5) ديوانه: 125 من معلقته المشهورة ، ثم يأتي في التفسير 12: 136 (بولاق) البيت الثاني. وهو شعر مشهور خبره ، فاطلبه في موضعه.
(6) في المطبوعة: "بهر" بالباء ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها بالنون.
(7) "الحروف الستة" ، يعني حروف الحلق.
(8) هو كثير عزة.
(9) ديوانه 2: 112 ، الحيوان 1: 266 ، والبيان 3: 109 ، 112 واللسان (نعل). ورواية اللسان"وسط المجالس" ، أما رواية الديوان فبخلاف هذا ولا شاهد فيها ، كما سترى. والشعر مما قاله كثير حين بلغه وفاة عبد العزيز بن مروان بمصر ، فرثاه ، فكان مما قال فيه:
يَـؤُوبُ أُولُـو الحَاجَـاتِ مِنْـهُ إذَا بَدَا
إلَـى طَيِّـبِ الأَثْـوَابِ غَـيْرِ مُـؤَمَّتِ
كَـأَنَّ اُبْـنَ لَيْـلَى حِـينَ يَبْدُو فَتَنْجَلِي
سُـجُوفُ الخِبَـاءِ عَـنْ مَهِيبٍ مُشَمَّتِ
مُقَــارِبُ خَــطْوٍ لا يُغَــيِّر نَعْلَـهُ
رَهِيـفَ الشِّـرَاكِ, سَـهْلَةَ المُتَسَـمَّتِ
إِذَا طُرِحـتْ لَـمْ تَطَّـبِ الكَلْبَ رِيحُهَا
وَإِنْ وُضِعـتْ فـي مَجْلِس القَوْم شُمَّتِ
يقول: لا يلبس من النعال إلا المدبوغ الجلد ، فذهبت رائحة الجلد منها ، لأن النعل إذا كانت من جلد غير مدبوغ ، وظفر بها كلب أقبل عليها بريحها فأكلها. يصفه بأنه من أهل النعمة واليسار والترف. ثم زادها صفة أخرى بأن جعلها قد كسبت من طيب رائحته طيبًا ، حتى لو وضعت في مجلس قوم ، تلفتوا يتشممون شذاها من طيبها. وقوله: "يطبى" من: "اطباه" أي: دعاه إليه.

تفسير قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ 12

القول في تأويل قوله : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في ذلك.
فقرأه بعضهم: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ) بالتاء، على وجه الخطاب للذين كفروا بأنهم سيغلبون. واحتجوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتاء بقوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ . قالوا: ففي ذلك دليل على أن قوله: " ستغلبون "، كذلك، خطابٌ لهم. وذلك هو قراءة عامة قرأة الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين. وقد يجوز لمن كانت نيته في هذه الآية: أنّ الموعودين بأن يُغلبوا، هم الذين أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم = أن يقرَأه بالياء والتاء. لأن الخطابَ بالوحي حين نـزل، لغيرهم. فيكون نظير قول القائل في الكلام: " قلت للقوم: إنكم مغلوبون "، و " قلت لهم: إنهم مغلوبون ". وقد ذكر أن في قراءة عبد الله: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرُ لَكُمْ ) [سورة الأنفال: 38]، وهي في قراءتنا: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ .
* * *
وقرأت ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: ( سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ )، على معنى: قل لليهود: سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنم. ومن قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل، لم يجز في قراءته غير الياء. (10)
* * *
قال أبو جعفر: والذي نختار من القراءة في ذلك، قراءةُ من قرأه بالتاء، بمعنى: قل يا محمد للذين كفروا من يهود بني إسرائيل الذين يتبعون ما تشابه من آي الكتاب الذي أنـزلته إليك ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله: " ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ".
وإنما اخترنا قراءة ذلك كذلك، على قراءته بالياء، لدلالة قوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ، على أنهم بقوله: " ستغلبون "، مخاطبون خطابهم بقوله: " قد كان لكم "، فكان إلحاق الخطاب بمثله من الخطاب، أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائب.
= وأخرى أنّ:-
6666 - أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال، لما أصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدْر فقدم المدينة، جمع يهودَ في سوق بني قَينُقاع. فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا! فقالوا: يا محمد، لا تغرّنك نفسك أنك قتلتَ نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، (11) إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! (12) فأنـزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: " قلْ للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " إلى قوله: لأُولِي الأَبْصَارِ .
6667 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمر بن قتادة، قال: لما أصاب الله قريشًا يوم بدر، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودَ في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة = ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن يونس. (13)
6668 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قَينُقاع، ثم قال: يا معشر اليهود، احذروا من الله مثل ما نـزل بقريش من النِّقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبيٌّ مُرْسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم! فقالوا: يا محمد، إنك ترى أنا كقومك! (14) لا يغرَّنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبتَ فيهم فرصة! إنا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنا نحن الناس. (15)
6669 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما نـزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: " قُلْ للذين كفروا ستغلبون وتحشرونَ إلى جهنم وبئس المهاد " إلى لأُولِي الأَبْصَارِ . (16)
6670 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "، قال فِنْحاص اليهودي في يوم بدر: لا يغرَّنَّ محمدًا أنْ غلب قريشًا وقتلهم! إنّ قريشًا لا تُحسنُ القتال! فنـزلت هذه الآية: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ".
* * *
قال أبو جعفر: فكل هذه الأخبار تنبئ عن أن المخاطبين بقوله: " ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "، هم اليهود المقولُ لهم: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ، الآية - وتدل على أن قراءَة ذلك بالتاء، أولى من قراءته بالياء.
* * *
ومعنى قوله: " وتحشرون "، وتجمعون، فتجلبون إلى جهنم. (17)
* * *
وأما قوله: " وبئس المهاد "، وبئس الفراش جهنم التي تحشرون إليها. (18) وكان مجاهد يقول كالذي:-
6671 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وبئس المهاد "، قال: بئسما مَهدُوا لأنفسهم.
6672 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
_________________
الهوامش :
(10) انظر هذا كله في معاني القرآن للفراء 1: 191-192.
(11) في سيرة ابن هشام: "لا يغرنك من نفسك". والأغمار جمع غمر (بضم فسكون): وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور ، ولم تحنكه التجارب.
(12) في ابن هشام: "لم تلق مثلنا".
(13) الأثر: 6666 ، 6667- في سيرة ابن هشام 2: 201.
(14) في ابن هشام: "أنا قومك" بحذف الكاف ، وهي جيدة جدًا ، ولكن ما في التفسير موافق لما في التاريخ.
(15) الأثر: 6668- سيرة ابن هشام 3: 50 / تاريخ الطبري 2: 297.
(16) الأثر: 6669 - سيرة ابن هشام 3: 51 .
(17) لم يفسر أبو جعفر"تحشرون" فيما سلف 4: 228 ، وذلك دليل على ما روى من اختصاره هذا التفسير اختصارًا.
(18) انظر ما سلف 4: 246.

تفسير قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ 13

القول في تأويل قوله : قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قُلْ، يا محمد، للذين كفروا من اليهود الذين بين ظهرانَيْ بلدك: " قد كان لكم آية "، يعني: علامةٌ ودلالةٌ على صدق ما أقول: إنكم ستغلبون، وعبرة، (19) كما:-
6673 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " قد كان لكم آية "، عبرةٌ وتفكر.
6674 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله = إلا أنه قال: ومُتَفَكَّر.
* * *
=" في فئتين "، يعني: في فرقتين وحزبين = و " الفئة " الجماعة من الناس. (20) =" التقتا " للحرب، وإحدى الفئتين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهد وقعة بدر، والأخرى مشركو قريش.
=" فئة تُقاتل في سبيل الله "، جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه، (21) وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه =" وأخرى كافرة "، وهم مشركو قريش، كما:-
6675 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله "، أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر =" وأخرى كافرة "، فئة قريش الكفار. (22)
6676 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس مثله. (23)
6677 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله "، محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه =" وأخرى كافرة "، قريش يوم بدر.
6678 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " قد كان لكم آية في فئتين "، قال: في محمد وأصحابه، ومشركي قريش يوم بدر.
6679 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
6680 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله "، قال: ذلك يوم بدر، التقى المسلمون والكفار.
* * *
قال أبو جعفر: ورفعت: " فئةٌ تقاتل في سبيل الله "، وقد قيل قبل ذلك: " في فئتين "، بمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل الله - على الابتداء، كما قال الشاعر: (24)
فَكُـنْتُ كَـذِي رِجْـلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ
وَرِجْـلٌ رَمَـى فِيهَـا الزَّمَـانُ فَشَلَّتِ (25)
وكما قال ابن مفرِّغ: (26)
فَكُـنْتُ كَـذِي رِجْـلَيْنِ: رِجْلٌ صَحِيحَةٌ
وَرِجْــلٌ بِهَـا رَيْـبٌ مِـنَ الحَدَثَـانِ (27)
فَأَمَّـا الَّتِـي صَحَّـتْ فَـأَزْدُ شَـنُوءَةٍ,
وَأَمَّــا الّتِــي شَـلَّتْ فَـأَزْدُ عُمَـانِ
وكذلك تفعل العرب في كل مكرر على نظير له قد تقدمه، إذا كان مع المكرر خبر: تردُّه على إعراب الأوّل مرة، وتستأنفه ثانيةً بالرفع، وتنصبه في التامِّ من الفعل والناقص، وقد جُرّ ذلك كله، فخفض على الردّ على أوّل الكلام، كأنه يعني إذا خفض ذلك: فكنت كذلك رجلين: كذي رجل صحيحة ورجل سقيمة. وكذلك الخفض في قوله: " فئة "، جائز على الردّ على قوله: " في فئتين التقتا "، في فئة تقاتل في سبيل الله.
وهذا وإن كان جائزًا في العربية، فلا أستجيز القراءة به، لإجماع الحجة من القرَأة على خلافه. ولو كان قوله: " فئة "، جاء نصبًا، كان جائزًا أيضًا على قوله: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا "، مُختلفتين. (28)
* * *
القول في تأويل قوله : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ
قال أبو جعفر: اختلفت القرأةُ في قراءة ذلك.
فقرأته قرأة أهل المدينة: ( تَرَوْنَهُمْ ) بالتاء، بمعنى: قد كان لكم أيها اليهود آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ، فئة تقاتل في سبيل الله، والأخرى كافرةٌ، ترونَ المشركين مِثْلي المسلمين رأىَ العين. يريد بذلك عِظَتهم، يقول: إن لكم عبرةً، أيها اليهود، فيما رأيتم من قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين، وظفر هؤلاء مع قلة عددهم، بهؤلاء مع كثرة عددهم.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة والبصرة وبعض المكيين: ( يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ ) بالياء، بمعنى: يرى المسلمون الذين يقاتلون في سبيل الله، الجماعةَ الكافرةَ مثلي المسلمين في القدْر. فتأويل الآية على قراءتهم: قد كان لكم، يا معشر اليهود، عبرةٌ ومتفكرٌ في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، يرى هؤلاء المسلمون مع قلة عددهم، هؤلاء المشركين في كثرة عددهم.
* * *
فإن قال قائل: وما وجه تأويل قراءة من قرأ ذلك بالياء؟ وأيّ الفئتين رأت صاحبتها مثليها؟ الفئة المسلمةُ هي التي رأت المشركة مثليها، أم المشركة هي التي رأت المسلمة كذلك، أم غيرهما رأت إحداهما كذلك؟
قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم: الفئةُ التي رأت الأخرى مثلى أنفسها، الفئةُ المسلمة رأت عدَد الفئة المشركة مثلي عدد الفئة المسلمة، قلَّلها الله عز وجل في أعينها حتى رأتها مثلي عدد أنفسها، (29) ثم قللها في حال أخرى فرأتها مثل عَدَد أنفسها.
ذكر من قال ذلك:
6681 - حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين "، قال: هذا يوم بدر. قال عبد الله بن مسعود: قد نظرنا إلى المشركين، فرأيناهم يُضْعِفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدًا، وذلك قول الله عز وجل: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [سورة الأنفال: 44]
* * *
فمعنى الآية على هذا التأويل: قد كان لكم، يا معشر اليهود، آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا : إحداهما مسلمة والأخرى كافرة، كثيرٌ عدد الكافرة، قليلٌ عدد المسلمة، ترى الفئة القليلُ عددُها، الكثيرَ عددُها أمثالا أنها إنما تكثر من العدد بمثل واحد، (30) فهم يرونهم مثليهم. فيكون أحدُ المثلين عند ذلك، العددُ الذي هو مثل عدد الفئة التي رأتهم، والمثل الآخر الضّعف الزائد على عددهم. فهذا أحد معنيي التقليل الذي أخبر الله عز وجل المؤمنين أنه قلَّلهم في أعينهم.
والمعنى الآخر منه: التقليل الثاني، على ما قاله ابن مسعود: وهو أنْ أراهم عددَ المشركين مثل عددهم، لا يزيدون عليهم. فذلك التقليل الثاني الذي قال الله جل ثناؤه: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا .
* * *
وقال آخرون من أهل هذه المقالة: إن الذين رأوا المشركين مثليْ أنفسهم، هم المسلمون. غير أن المسلمين رَأوهم على ما كانوا به من عددهم لم يقلَّلوا في أعينهم، ولكن الله أيدهم بنصره. قالوا: ولذلك قال الله عز وجل لليهود: قد كان لكم فيهم عبرةٌ، يخوّفهم بذلك أنْ يحل بهم منهم مثل الذي أحَلَّ بأهل بدر على أيديهم.
ذكر من قال ذلك:
6682 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ، أنـزلت في التخفيف يوم بدر، فإن المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمئة وثلاثة عشر رجلا (31) وكان المشركون مثليهم، فأنـزل الله عز وحل: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين "، وكان المشركون ستةً وعشرين وستمئة، فأيد الله المؤمنين. فكان هذا الذي في التخفيف على المؤمنين.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الرواية خلافُ ما تظاهرت به الأخبار عن عدة المشركين يوم بدر. وذلك أن الناس إنما اختلفوا في عددهم على وجهين.
فقال بعضهم: كان عددهم ألفًا = وقال بعضهم: ما بين التسعمئة إلى الألف.
ذكر من قال: " كان عددهم ألفًا ".
6683 - حدثني هارون بن إسحاق الهمداني قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن علي قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين، منهم رجل من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشيّ فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير شديدٌ بأسُهم! فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، (32) حتى انتهوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: كم القوم؟ فقال: هم والله كثير شديدٌ بأسهم! فجهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن يخبره كم هم، فأبى. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله: " كم يَنحرون من الجزُر؟ قال: عشرة كل يوم. (33) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القومُ ألفٌ. (34)
6684 - حدثني أبو سعيد بن يوشع البغدادي قال، حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: أسرنا رجلا منهم - يعني من المشركين - يوم بدر، فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا. (35)
* * *
ذكر من قال: " كان عددهم ما بين التسعمئة إلى الألف ":
6685 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبرَ له عليه، (36) فأصابوا راويةً من قريش: (37) فيها أسلم، غلام بني الحجاج، وعَريض أبو يسار غلام بني العاص. فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: كم القوم؟ قالا كثير! قال: ما عدّتهم؟ قالا لا ندري! قال: كم يَنحرون كل يوم؟ قالا يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: القومُ ما بين التسعمئة إلى الألف. (38)
6686 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين "، ذلكم يوم بدر، ألفٌ المشركون أو قاربوا، (39) وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمئة وبضعة عشر رجلا.
6687 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ إلى قوله: " رأي العين "، قال: يُضْعفون عليهم، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، يوم بدر.
6688 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين "، قال: كان ذلك يوم بدر، وكان المشركون تسعمئة وخمسين، وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثلثمئة وثلاثة عشر.
6689 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمئة وبضعة عشر، والمشركون ما بين التسعمئة إلى الألف.
* * *
قال أبو جعفر: فكل هؤلاء الذين ذكرنا مخالفون القولَ الذي رويناه عن ابن عباس في عدد المشركين يوم بدر. فإذْ كان ما قاله من حكينا قوله - ممن ذكر أن عددهم كان زائدًا على التسعمئة - [صحيحًا]، (40) فالتأويل الأول الذي قلناه على الرواية التي روينا عن ابن مسعود، أولى بتأويل الآية.
* * *
وقال آخرون: كان عددُ المشركين زائدًا على التسعمئة، فرأى المسلمون عدَدَهم على غير ما كانوا به من العدد. وقالوا: أرى اللهُ المسلمين عددَ المشركين قليلا آية للمسلمين. قالوا: وإنما عنى الله عز وجل بقوله: " يرونهم مثليهم "، المخاطبين بقوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ . قالوا: وهم اليهود، غيرَ أنه رجع من المخاطبة إلى الخبر عن الغائب، لأنه أمرٌ من الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لهم، فحسن أن يخاطب مرة، ويخبرَ عنهم على وجه الخبر مرّة أخرى، كما قال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ (41) [سورة يونس: 22]
وقالوا: فإن قال لنا قائل: فكيف قيل: " يرونهم مثليهم رأي العين "، وقد علمتم أن المشركين كانوا يومئذ ثلاثة أمثال المسلمين؟
قلنا لهم: كما يقول القائل وعنده عبد: " أحتاج إلى مثله "، فأنت محتاج إليه وإلى مثله، (42) ثم يقول: " أحتاج إلى مثليه "، فيكون ذلك خبرًا عن حاجته إلى مثله، وإلى مثلَيْ ذلك المثل. (43) وكما يقول الرجل: " معي ألفٌ وأحتاج إلى مثليه ". فهو محتاج إلى ثلاثة. (44) فلما نوى أن يكون " الألف " داخلا في معنى " المثل " صار " المثل " اثنين، والاثنان ثلاثة. (45) قال: ومثله في الكلام: (46) " أراكم مثلكم "، كأنه قال: أراكم ضعفكم = (47) " وأراكم مثليكم ". يعني: أراكم ضعفيكم. قالوا: فهدا على معنى ثلاثة أمثالهم. (48)
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ الله أرى الفئةَ الكافرةَ عددَ الفئة المسلمة مثلَيْ عددهم.
وهذا أيضًا خلاف ما دلّ عليه ظاهر التنـزيل. لأن الله جل ثناؤه قال في كتابه: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [سورة الأنفال: 44]، فأخبر أن كلا من الطائفتين قلل عددها في مرأى الأخرى.
* * *
قال أبو جعفر: وقرأ آخرون ذلك: ( تُرَوْنَهُمْ ) بضم التاء، بمعنى: يريكموهم الله مثليهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات بالصواب، قراءةُ من قرأ: " يرونهم " بالياء، بمعنى: وأخرى كافرة، يراهم المسلمون مثليهم - يعني: مثلي عدد المسلمين ، لتقليل الله إياهم في أعينهم في حال، فكان حَزْرهم إياهم كذلك، ثم قللهم في أعينهم عن التقليل الأول، فحزروهم مثل عدد المسلمين، (49) ثم تقليلا ثالثًا، فحزروهم أقل من عدد المسلمين، كما:-
6690 - حدثني أبو سعيد البغدادي قال، حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قُلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: تَرَاهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا.
* * *
وقد روى عن قتادة أنه كان يقول: لو كانت: " ترونهم "، لكانت " مثليكم ".
6691 - حدثني المثنى قال، حدثني عبد الرحمن بن أبي حماد، عن ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة بذلك. (50)
* * *
قال أبو جعفر: ففي الخبرين اللذين روينا عن عبد الله بن مسعود، ما أبان عن اختلاف حَزْر المسلمين يومئذ عددَ المشركين في الأوقات المختلفة، فأخبر الله عز وجل - عما كان من اختلاف أحوال عددهم عند المسلمين - اليهودَ، على ما كان به عندهم، (51) مع علم اليهود بمبلغ عدد الفئتين = (52) إعلامًا منه لهم أنه مؤيد المؤمنين بنصره، لئلا يغتروا بعددهم وبأسهم، وليحذروا منه أن يُحلّ بهم من العقوبة على أيدي المؤمنين، مثلَ الذي أحلّ بأهل الشرك به من قريش على أيديهم ببدر. (53)
* * *
وأما قوله: " رأي العين "، فإنه مصدر: " رَأيتهُ" يقال: " رأيته رأيًا ورُؤْية "، و " رأيت في المنام رؤيَا حسنةٌ"، غير مُجْراة. يقال: " هو مني رَأيَ العين، ورِئاءَ العين "، (54) بالنصب والرفع، يراد: حيث يقع عليه بصري، وهو من " الرأي" مثله. و " القوم رئاءٌ"، (55) إذا جلسوا حيث يرى بعضُهم بعضًا.
* * *
فمعنى ذلك: يرونهم - حيث تلحقهم أبصارُهم وتراهم عيونُهم - مثليْهم.
* * *
القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ (13)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (56) " والله يؤيد "، يقوّي =" بنصره من يشاء ".
* * *
= من قول القائل: " قد أيَّدت فلانًا بكذا "، إذا قوّيته وأعنته،" فأنا أؤيّده تأييدًا ". و " فَعَلت " منه: " إدته فأنا أئيده أيدًا "، (57) ومنه قول الله عز وجل: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ [سورة ص: 17]، يعني: ذا القوة. (58)
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قد كان لكم = (59) يا معشر اليهود، في فئتين التقتا، إحداهما تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، يراهم المسلمون مثليهم رأي أعينهم، فأيدنا المسلمة وهم قليلٌ عددهم، على الكافرة وهم كثير عدَدُهم حتى ظفروا بهم = (60) معتبر ومتفكر، والله يقوّى بنصره من يشاء.
* * *
وقال جل ثناؤه " إنّ في ذلك "، يعني: إن فيما فعلنا بهؤلاء الذين وصفنا أمرهم: من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلة عددها، على الفئة الكافرة مع كثرة عددها =" لعبرة "، يعني: لمتفكرًا ومتَّعظًا لمن عقل وادّكر فأبصر الحق، كما:-
6692 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " إن في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار "، يقول: لقد كان لهم في هؤلاء عبرة وتفكر، أيَّدهم الله ونصرهم على عدوّهم.
6693 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
--------------------
الهوامش :
(19) انظر تفسير"الآية" في (أيى) من فهارس اللغة.
(20) انظر ما سلف في تفسير"فئة" 5: 352 ، 353.
(21) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف 2: 497 / ثم 3: 563 ، 583 / ثم 4: 318 / ثم 5: 280.
(22) الأثران: 6675 ، 6676 - سيرة ابن هشام 3: 51 باختلاف في اللفظ ، لاختلاف الرواية عنه.
(23) الأثران: 6675 ، 6676 - سيرة ابن هشام 3: 51 باختلاف في اللفظ ، لاختلاف الرواية عنه.
(24) هو كثير عزة.
(25) ديوانه 1: 46 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 192 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 87 ، وسيبويه 1: 215 ، والخزانة 2: 376 وغيرها كثير ، وسيأتي في التفسير 30: 58 (بولاق) ، وهو من قصيدته التائية المشهورة ، وهذا البيت معطوف على أمنية تمناها في الأبيات السالفة:
فَلَيْـتَ قَلُـوصِي عِنْـدَ عَزَّةَ قُيّدَ تْبِحَبْلٍ
ضَعيــفٍ غُــرَّ مِنْهَــا فَضَلَّــتِ
وغُـودِرَ فِـي الحَـيِّ المُقِيمِينَ رَحْلُهَا
وكَــانَ لَهَــا بـاغٍ سِـوَايَ فَبَلَّـتِ
وَكُـنْتُ كَـذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٌ صَحِيحةٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال الأعلم: "تمنى أن تشل إحدى رجليه وهو عندها ، وتضل ناقته فلا يرحل عنها". وقال آخرون: "تمنى أن تضيع قلوصه فيبقى في حي عزة ، فيكون ببقائه في حي عزة كذي رجل صحيحة ، ويكون من عدمه لقلوصه كذي رجل عليلة". وقال ابن سيدهْ: "لما خانته عزة العهد فزلت عن عهده ، وثبت هو على عهدها ، صار كذي رجلين: رجل صحيحة: هو ثباته على عهدها ، وأخرى مريضة: وهو زللها عن عهده". وقال آخرون: "معنى البيت: أنه بين خوف ورجاء ، وقرب وثناء" ، ولي في معنى الأبيات رأي ليس هذا موضع بيانه.
(26) لم أعرف نسبة هذا الشعر إلى ابن مفرغ ، وهو بلا شك للنجاشي الحارثي ، من قصيدته في معاوية وعلي ، وأكثرها في الوحشيات لأبي تمام ، ووقعة صفين: 601-605.
(27) الوحشيات رقم: 183 ، وحماسة ابن الشجري: 33 ، وخزانة الأدب 2: 378 ، وأزد شنوءة ، وأزد عمان ، كانا من القبائل التي قاتلت يوم صفين ، وكانت أزد شنودة مع أهل الشام ، وأزد عمان في أهل العراق. ورواية الشعر: "وكنتم كذي رجلين..." ، والخطاب لبني تميم وغطفان في قوله قبل ذلك:
أَيَــا رَاكِبًـا إِمَّـا عَـرَضْتَ فَبَلِّغَـنْ
تَمِيمًـا, وَهـذَا الحَـيَّ مِـنْ غَطَفَـان
بيد أن رواية البيت:
فأمَّــا التـي شَـلَّتْ فَـأَزدُ شَـنُوءةٍ
وأَمَّـا التـي صَحَّـتْ فَـأَزدُ عُمَـانِ
لأن النجاشي كان مع علي ، وكانت أزد عمان معه. أما أزدشنوءة فكانت مع معاوية.
(28) انظر أكثر هذا وأبسط منه في معاني القرآن للفراء 1: 192-194 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 87 ، 88.
(29) قوله: "قللها الله عز وجل في أعينها" ، وذلك أن المشركين كانوا أكثر منهم أمثالا ، فأراهم الله عددهم مثليهم وحسب. وسيأتي بيان ذلك بعد قليل. وانظر التعليق التالي.
(30) في المطبوعة: ". . . أمثالا لها أنها تكثرها. . ." ، والصواب من المخطوطة ، وكأن الطابع خفي عليه معنى الحصر في هذا الكلام ، فغيره. وانظر التعليق السالف.
(31) في المطبوعة: "كأن المؤمنين كانوا..." ، وهو فاسد جدًا ، لم يحسن الناشر أن يقرأ المخطوطة ، فقرأها على وجه لا يصح.
(32) في المخطوطة والمطبوعة: "إذا قال ذلك صدقوه" ، وهو خطأ بين ، والصواب من تاريخ الطبري ، وسيأتي مرجعه في آخر الأثر.
(33) في التاريخ: "عشرًا" وهي الأجود. والجزر جمع جزور: وهي الناقة المجزورة أو البعير المجزور ، فهو يقع على الذكر والأنثى.
(34) الأثر: 6683- تاريخ الطبري 2: 269.
(35) الأثر: 6684-"أبو سعيد بن يوشع البغدادي" ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب ، وانظر رقم: 6690 أيضًا.
(36) في المخطوطة: "يلتمسون له عليه" بينهما بياض ، وأتمتها المطبوعة ، كنص ابن هشام.
(37) الرواية: هي المزادة فيها الماء ، ثم سمي البعير الذي يستسقى عليه الماء"راوية" ، وسمي الرجل المستسقى أيضًا"راوية". وجاء في روايته هنا بالإفراد"راوية" ، وهي بمعنى الجمع ، أي الذين يستقون للقوم ، أو الإبل التي يستقى عليها.
(38) الأثر: 6685- هو مختصر ما في سيرة ابن هشام 2: 268 ، 269 ، وتاريخ الطبري 2: 275.
(39) في المخطوطة: "أللف" ، وعلى اللام الأولى شدة ، وأظنه كان أراد أن يكتب: "لألف".
(40) في المخطوطة والمطبوعة: "فإذا كان ما قاله من حكيناه ممن ذكر أن عددهم كان زائدًا على التسعمئة فالتأويل الأول..." ، وهي عبارة غير مستقيمة ، وسهو من الناسخ كثير ، فرجحت أن صوابها: "حكينا قوله" في الموضع الأول ، وزيادة"صحيحًا" في آخر الجملة كما وضعتها بين القوسين.
(41) انظر معاني القرآن للفراء 1: 195.
(42) في المطبوعة: "أنا محتاج إليه وإلى مثله" ، وهو إفساد. والصواب من المخطوطة ومعاني القرآن للفراء 1: 194.
(43) عبارة الفراء أوضح وهي: "فأنت إلى ثلاثة محتاج".
(44) في المطبوعة والمخطوطة: "وهو محتاج" ، والسياق يقتضي الفاء ، كما في معاني القرآن للفراء: "فهو يحتاج...".
(45) في المطبوعة: "صار المثل أشرف والاثنان ثلاثة" ، وهو تصحيف ، وفي المخطوطة: "اسرب" غير واضحة بل مضطربة ، والصواب من معاني القرآن للفراء.
(46) قوله: "قال" يعني الفراء ، فالذي مضى والذي يأتي نص كلامه أو شبيه بنص كلامه أحيانًا ، وقلما يصرح أبو جعفر باسم الفراء ، كما رأيت في جميع المواضع التي أشرنا إليها مرارًا ، أنه نقل عنه نص كلامه.
(47) في المطبوعة والمخطوطة: "كما يقال إن لكم ضعفكم" ، وهو كلام بلا معنى ، واستظهرت صوابه من نص الفراء في معاني القرآن وهو: "ومثله في الكلام أن تقول: أراكم مثلكم - كأنك قلت: أراكم ضعفكم".
(48) أكثر هذا بنصه من معاني القرآن للفراء 1: 194.
(49) في المطبوعة والمخطوطة: "مثلى عدد المسلمين" هنا أيضًا ، وهو خطأ ظاهر ، والسياق الماضي والآتي يدل على خلافه ، وهو كما أثبت.
(50) الأثر: 6691-"عبد الرحمن بن أبي حماد" لم أعرف من هو على التحقيق. وقد مر"عبد الرحمن بن أبي حماد الكوفي القارئ" في رقم: 3109 ، 4077 ، ولكن لم يرو عنه"المثنى" إلا بالواسطة ، وإسناده: "حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي حماد" ، ولا أظنه هو هو. وقد جاء في تاريخ الطبري 1: 171: "حدثني المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد..." ، فأكبر الظن أنهما رجلان.
أما "ابن المبارك" فهو"عبد الله المبارك" فيما رجحت ، وقد كان في المطبوعة"عن ابن المعرك" ، ولم أجد من يسمى بهذا الاسم ، وفي المخطوطة: "عن ابن المسرل" كأنها ميم وسين ثم راء ثم كاف أو لام. فلعلها كانت مكتوبة في الأصل"ابن المبرك" بغير ألف بين الباء والراء ، فقرأها الناسخ هكذا. والله أعلم.
(51) هكذا جاءت في المطبوعة ، وهي جملة لا تكاد تستقيم ، وقوله: "اليهود" مفعول به لقوله: "فأخبر الله عز وجل...". وقوله: "على ما كان به عندهم" ، مما لم أعرف له وجهًا أرضاه. أما المخطوطة فهكذا نصها: "فأخبر الله عز وجل عما كان من اختلاف أحوال عددهم عرم المسلمين اليهود على ما كان به عندهم" ، وهو كلام مضطرب أخشى أن يكون قد سقط منه شيء.
(52) سياق الكلام على ما ترى: "فأخبر الله عز وجل... اليهود... إعلامًا منه لهم".
(53) في المخطوطة والمطبوعة: "ببدرهم" ، وهو كلام ليس بعربي ، فآثرت حذف الضمير ، وجعلتها"ببدر" ، إلا أن يكون في الكلام تحريف لم أتبينه. هذا والناسخ كما ترى ، في كثير من هذه الصفحات قد عجل فزاد وحرف ونقص. غفر الله له.
(54) في المطبوعة: "ورأي العين" ، وفي المخطوطة"ورآا العين" ، وصواب قراءتها ما أثبت وإنما حمل الناشر الأول أن يقرأها كذلك ، أنه لم يجد نصها في كتب اللغة ، ولكن قوله بعد: "وهو من الرأى مثله" ، إنما يعني به هذه الكلمة ، ثم ما سيأتي في الجملة التالية: "والقوم رثاء" ، مما استدل به على ذلك أيضًا. ولكن الناشر الأول ، لم يحسن قراءة المخطوطة فتصرف فيه ، وأعانه ذلك على التصرف في رسم الذي قبله ، كما سنرى في التعليق التالي. وانظر أيضًا مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 88.
(55) في المطبوعة: "والقوم راأوا" ، ولا أدري كيف أراد أن يقرأها الناشر الأول ، وماذا ظنها‍!! والصواب ما أثبت ، ورسمه في المخطوطة"والقوم رآء" وتحت الراء كسرة ، وصواب قراءتها ما أثبت ، وانظر التعليق السالف.
(56) في المخطوطة والمطبوعة: "يعني بذلك جل ثناؤه" ، ولكن السياق كما ترى يقتضي ما أثبت.
(57) لم تذكر كتب اللغة هذا الفعل الثلاثي متعديًا ، بل قالوا: "آد يئيد أيدًا ، إذا اشتد وقوى"؛ فهذه زيادة لم أجدها في غير هذا التفسير الجليل.
(58) انظر تفسير"الأيد" و"أيد" فيما سلف 2: 319 ، 320 / ثم 5: 379.
(59) في المخطوطة والمطبوعة: "قد كان لكم آية" ، وذكر"آية" هنا سبق قلم من الناسخ لسبق الآية على لسانه ، فإن اسم"كان" سيأتي بعد قليل وهو: "معتبر ومتفكر" ، وهو معنى"آية" هنا ، كما سلف في أول تفسير هذه الآية.
(60) في المخطوطة والمطبوعة: "قد كان لكم آية" ، وذكر"آية" هنا سبق قلم من الناسخ لسبق الآية على لسانه ، فإن اسم"كان" سيأتي بعد قليل وهو: "معتبر ومتفكر" ، وهو معنى"آية" هنا ، كما سلف في أول تفسير هذه الآية. (19) انظر تفسير"الآية" في (أيى) من فهارس اللغة.
(20) انظر ما سلف في تفسير"فئة" 5: 352 ، 353.
(21) انظر تفسير"سبيل الله" فيما سلف 2: 497 / ثم 3: 563 ، 583 / ثم 4: 318 / ثم 5: 280.
(22) الأثران: 6675 ، 6676 - سيرة ابن هشام 3: 51 باختلاف في اللفظ ، لاختلاف الرواية عنه.
(23) الأثران: 6675 ، 6676 - سيرة ابن هشام 3: 51 باختلاف في اللفظ ، لاختلاف الرواية عنه.
(24) هو كثير عزة.
(25) ديوانه 1: 46 ، ومعاني القرآن للفراء 1: 192 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 87 ، وسيبويه 1: 215 ، والخزانة 2: 376 وغيرها كثير ، وسيأتي في التفسير 30: 58 (بولاق) ، وهو من قصيدته التائية المشهورة ، وهذا البيت معطوف على أمنية تمناها في الأبيات السالفة:
فَلَيْـتَ قَلُـوصِي عِنْـدَ عَزَّةَ قُيّدَ تْبِحَبْلٍ
ضَعيــفٍ غُــرَّ مِنْهَــا فَضَلَّــتِ
وغُـودِرَ فِـي الحَـيِّ المُقِيمِينَ رَحْلُهَا
وكَــانَ لَهَــا بـاغٍ سِـوَايَ فَبَلَّـتِ
وَكُـنْتُ كَـذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٌ صَحِيحةٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال الأعلم: "تمنى أن تشل إحدى رجليه وهو عندها ، وتضل ناقته فلا يرحل عنها". وقال آخرون: "تمنى أن تضيع قلوصه فيبقى في حي عزة ، فيكون ببقائه في حي عزة كذي رجل صحيحة ، ويكون من عدمه لقلوصه كذي رجل عليلة". وقال ابن سيدهْ: "لما خانته عزة العهد فزلت عن عهده ، وثبت هو على عهدها ، صار كذي رجلين: رجل صحيحة: هو ثباته على عهدها ، وأخرى مريضة: وهو زللها عن عهده". وقال آخرون: "معنى البيت: أنه بين خوف ورجاء ، وقرب وثناء" ، ولي في معنى الأبيات رأي ليس هذا موضع بيانه.
(26) لم أعرف نسبة هذا الشعر إلى ابن مفرغ ، وهو بلا شك للنجاشي الحارثي ، من قصيدته في معاوية وعلي ، وأكثرها في الوحشيات لأبي تمام ، ووقعة صفين: 601-605.
(27) الوحشيات رقم: 183 ، وحماسة ابن الشجري: 33 ، وخزانة الأدب 2: 378 ، وأزد شنوءة ، وأزد عمان ، كانا من القبائل التي قاتلت يوم صفين ، وكانت أزد شنودة مع أهل الشام ، وأزد عمان في أهل العراق. ورواية الشعر: "وكنتم كذي رجلين..." ، والخطاب لبني تميم وغطفان في قوله قبل ذلك:
أَيَــا رَاكِبًـا إِمَّـا عَـرَضْتَ فَبَلِّغَـنْ
تَمِيمًـا, وَهـذَا الحَـيَّ مِـنْ غَطَفَـان
بيد أن رواية البيت:
فأمَّــا التـي شَـلَّتْ فَـأَزدُ شَـنُوءةٍ
وأَمَّـا التـي صَحَّـتْ فَـأَزدُ عُمَـانِ
لأن النجاشي كان مع علي ، وكانت أزد عمان معه. أما أزدشنوءة فكانت مع معاوية.
(28) انظر أكثر هذا وأبسط منه في معاني القرآن للفراء 1: 192-194 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 87 ، 88.
(29) قوله: "قللها الله عز وجل في أعينها" ، وذلك أن المشركين كانوا أكثر منهم أمثالا ، فأراهم الله عددهم مثليهم وحسب. وسيأتي بيان ذلك بعد قليل. وانظر التعليق التالي.
(30) في المطبوعة: ". . . أمثالا لها أنها تكثرها. . ." ، والصواب من المخطوطة ، وكأن الطابع خفي عليه معنى الحصر في هذا الكلام ، فغيره. وانظر التعليق السالف.
(31) في المطبوعة: "كأن المؤمنين كانوا..." ، وهو فاسد جدًا ، لم يحسن الناشر أن يقرأ المخطوطة ، فقرأها على وجه لا يصح.
(32) في المخطوطة والمطبوعة: "إذا قال ذلك صدقوه" ، وهو خطأ بين ، والصواب من تاريخ الطبري ، وسيأتي مرجعه في آخر الأثر.
(33) في التاريخ: "عشرًا" وهي الأجود. والجزر جمع جزور: وهي الناقة المجزورة أو البعير المجزور ، فهو يقع على الذكر والأنثى.
(34) الأثر: 6683- تاريخ الطبري 2: 269.
(35) الأثر: 6684-"أبو سعيد بن يوشع البغدادي" ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب ، وانظر رقم: 6690 أيضًا.
(36) في المخطوطة: "يلتمسون له عليه" بينهما بياض ، وأتمتها المطبوعة ، كنص ابن هشام.
(37) الرواية: هي المزادة فيها الماء ، ثم سمي البعير الذي يستسقى عليه الماء"راوية" ، وسمي الرجل المستسقى أيضًا"راوية". وجاء في روايته هنا بالإفراد"راوية" ، وهي بمعنى الجمع ، أي الذين يستقون للقوم ، أو الإبل التي يستقى عليها.
(38) الأثر: 6685- هو مختصر ما في سيرة ابن هشام 2: 268 ، 269 ، وتاريخ الطبري 2: 275.
(39) في المخطوطة: "أللف" ، وعلى اللام الأولى شدة ، وأظنه كان أراد أن يكتب: "لألف".
(40) في المخطوطة والمطبوعة: "فإذا كان ما قاله من حكيناه ممن ذكر أن عددهم كان زائدًا على التسعمئة فالتأويل الأول..." ، وهي عبارة غير مستقيمة ، وسهو من الناسخ كثير ، فرجحت أن صوابها: "حكينا قوله" في الموضع الأول ، وزيادة"صحيحًا" في آخر الجملة كما وضعتها بين القوسين.
(41) انظر معاني القرآن للفراء 1: 195.
(42) في المطبوعة: "أنا محتاج إليه وإلى مثله" ، وهو إفساد. والصواب من المخطوطة ومعاني القرآن للفراء 1: 194.
(43) عبارة الفراء أوضح وهي: "فأنت إلى ثلاثة محتاج".
(44) في المطبوعة والمخطوطة: "وهو محتاج" ، والسياق يقتضي الفاء ، كما في معاني القرآن للفراء: "فهو يحتاج...".
(45) في المطبوعة: "صار المثل أشرف والاثنان ثلاثة" ، وهو تصحيف ، وفي المخطوطة: "اسرب" غير واضحة بل مضطربة ، والصواب من معاني القرآن للفراء.
(46) قوله: "قال" يعني الفراء ، فالذي مضى والذي يأتي نص كلامه أو شبيه بنص كلامه أحيانًا ، وقلما يصرح أبو جعفر باسم الفراء ، كما رأيت في جميع المواضع التي أشرنا إليها مرارًا ، أنه نقل عنه نص كلامه.
(47) في المطبوعة والمخطوطة: "كما يقال إن لكم ضعفكم" ، وهو كلام بلا معنى ، واستظهرت صوابه من نص الفراء في معاني القرآن وهو: "ومثله في الكلام أن تقول: أراكم مثلكم - كأنك قلت: أراكم ضعفكم".
(48) أكثر هذا بنصه من معاني القرآن للفراء 1: 194.
(49) في المطبوعة والمخطوطة: "مثلى عدد المسلمين" هنا أيضًا ، وهو خطأ ظاهر ، والسياق الماضي والآتي يدل على خلافه ، وهو كما أثبت.
(50) الأثر: 6691-"عبد الرحمن بن أبي حماد" لم أعرف من هو على التحقيق. وقد مر"عبد الرحمن بن أبي حماد الكوفي القارئ" في رقم: 3109 ، 4077 ، ولكن لم يرو عنه"المثنى" إلا بالواسطة ، وإسناده: "حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي حماد" ، ولا أظنه هو هو. وقد جاء في تاريخ الطبري 1: 171: "حدثني المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد..." ، فأكبر الظن أنهما رجلان.
أما "ابن المبارك" فهو"عبد الله المبارك" فيما رجحت ، وقد كان في المطبوعة"عن ابن المعرك" ، ولم أجد من يسمى بهذا الاسم ، وفي المخطوطة: "عن ابن المسرل" كأنها ميم وسين ثم راء ثم كاف أو لام. فلعلها كانت مكتوبة في الأصل"ابن المبرك" بغير ألف بين الباء والراء ، فقرأها الناسخ هكذا. والله أعلم.
(51) هكذا جاءت في المطبوعة ، وهي جملة لا تكاد تستقيم ، وقوله: "اليهود" مفعول به لقوله: "فأخبر الله عز وجل...". وقوله: "على ما كان به عندهم" ، مما لم أعرف له وجهًا أرضاه. أما المخطوطة فهكذا نصها: "فأخبر الله عز وجل عما كان من اختلاف أحوال عددهم عرم المسلمين اليهود على ما كان به عندهم" ، وهو كلام مضطرب أخشى أن يكون قد سقط منه شيء.
(52) سياق الكلام على ما ترى: "فأخبر الله عز وجل... اليهود... إعلامًا منه لهم".
(53) في المخطوطة والمطبوعة: "ببدرهم" ، وهو كلام ليس بعربي ، فآثرت حذف الضمير ، وجعلتها"ببدر" ، إلا أن يكون في الكلام تحريف لم أتبينه. هذا والناسخ كما ترى ، في كثير من هذه الصفحات قد عجل فزاد وحرف ونقص. غفر الله له.
(54) في المطبوعة: "ورأي العين" ، وفي المخطوطة"ورآا العين" ، وصواب قراءتها ما أثبت وإنما حمل الناشر الأول أن يقرأها كذلك ، أنه لم يجد نصها في كتب اللغة ، ولكن قوله بعد: "وهو من الرأى مثله" ، إنما يعني به هذه الكلمة ، ثم ما سيأتي في الجملة التالية: "والقوم رثاء" ، مما استدل به على ذلك أيضًا. ولكن الناشر الأول ، لم يحسن قراءة المخطوطة فتصرف فيه ، وأعانه ذلك على التصرف في رسم الذي قبله ، كما سنرى في التعليق التالي. وانظر أيضًا مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 88.
(55) في المطبوعة: "والقوم راأوا" ، ولا أدري كيف أراد أن يقرأها الناشر الأول ، وماذا ظنها‍!! والصواب ما أثبت ، ورسمه في المخطوطة"والقوم رآء" وتحت الراء كسرة ، وصواب قراءتها ما أثبت ، وانظر التعليق السالف.
(56) في المخطوطة والمطبوعة: "يعني بذلك جل ثناؤه" ، ولكن السياق كما ترى يقتضي ما أثبت.
(57) لم تذكر كتب اللغة هذا الفعل الثلاثي متعديًا ، بل قالوا: "آد يئيد أيدًا ، إذا اشتد وقوى"؛ فهذه زيادة لم أجدها في غير هذا التفسير الجليل.
(58) انظر تفسير"الأيد" و"أيد" فيما سلف 2: 319 ، 320 / ثم 5: 379.
(59) في المخطوطة والمطبوعة: "قد كان لكم آية" ، وذكر"آية" هنا سبق قلم من الناسخ لسبق الآية على لسانه ، فإن اسم"كان" سيأتي بعد قليل وهو: "معتبر ومتفكر" ، وهو معنى"آية" هنا ، كما سلف في أول تفسير هذه الآية.
(60) في المخطوطة والمطبوعة: "قد كان لكم آية" ، وذكر"آية" هنا سبق قلم من الناسخ لسبق الآية على لسانه ، فإن اسم"كان" سيأتي بعد قليل وهو: "معتبر ومتفكر" ، وهو معنى"آية" هنا ، كما سلف في أول تفسير هذه الآية.

تفسير زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 14

القول في تأويل قوله : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: زُيِّن للناس محبة ما يشتهون من النساء والبنين وسائر ما عدّ. وإنما أراد بذلك توبيخ اليهود الذين آثرُوا الدنيا وحبَّ الرياسة فيها، على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بصدقه.
* * *
وكان الحسن يقول: منْ زَيْنِها، ما أحدٌ أشدّ لها ذمًّا من خالقها. (61)
6694 - حدثني بذلك أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو الأشعث عنه.
6695 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال، قال عمر: لما نـزل: " زُيِّن للناس حب الشهوات "، قلت: الآن يا رَبِّ حين زيَّنتها لنا! فنـزلت: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [ سورة آل عمران: 15]، الآية.
* * *
وأما " القناطير " فإنها جمع " القنطار ".
واختلف أهل التأويل في مبلغ القنطار.
فقال بعضهم: هو ألف ومئتا أوقية.
ذكر من قال ذلك:
6696 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن معاذ بن جبل قال: القنطار: ألف ومئتا أوقية.
6697 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن معاذ مثله.
6698 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا - يعني حفص بن ميسرة - عن أبي مروان، عن أبي طيبة، عن ابن عمر قال: القنطار ألف ومئتا أوقية.
6699 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا القاسم بن مالك المزني قال، أخبرني العلاء بن المسيب، عن عاصم بن أبي النجود قال: القنطار ألف ومئتا أوقية.
6700 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مثله. (62)
6701 - حدثني زكريا بن يحيى الضرير قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا مخلد بن عبد الواحد، عن علي بن زيد، عن عطاء بن أبى ميمونة، عن زِرّ بن حبيش، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار ألف أوقية ومئتا أوقية. (63)
* * *
وقال آخرون: القنطار ألف دينار ومئتا دينار.
ذكر من قال ذلك:
6702 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا يونس، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القنطارُ ألف ومئتا دينار.
6703 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا يونس، عن الحسن قال: القنطار: ألف ومئتا دينار.
6704 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: القنطار ألف ومئتا دينار، ومن الفضة ألف ومئتا مثقال.
6705 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: " القناطير المقنطرة "، يعني: المالَ الكثير من الذهب والفضة، والقنطار ألف ومئتا دينار، ومن الفضة ألف ومئتا مثقال.
* * *
وقال آخرون: القنطار اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار.
ذكر من قال ذلك:
6706 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: القنطار اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار.
6707 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: القنطار ألف دينار، ومن الوَرِق اثنا عشر ألف درهم. (64)
6708 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أن القنطار اثنا عشر ألفا.
6709 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا عوف، عن الحسن: القنطار اثنا عشر ألفا.
6710 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا .................... قال أخبرنا عوف، عن الحسن: اثنا عشر ألفا. (65)
6711 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن بمثله.
6712 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عوف، عن الحسن قال: القنطار ألفُ دينار، ديةُ أحدكم.
* * *
وقال آخرون: هو ثمانون ألفًا من الدراهم، أو مئة رطل من الذهب.
ذكر من قال ذلك:
6713 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: القنطار ثمانون ألفًا.
6714 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: القنطار ثمانون ألفًا.
6715 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كنا نُحدَّث أن القنطار مئة رطل من ذهب، أو ثمانون ألفًا من الوَرِق.
6716 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: القنطار مئة رطل من ذهب، أو ثمانون ألف درهم من وَرِق.
6717 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح قال: القنطار مئة رطل.
6718 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: القنطار يكون مئة رطل، وهو ثمانية آلاف مثقال.
* * *
وقال آخرون: القنطار سبعون ألفًا.
ذكر من قال ذلك:
6719 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " القناطير المقنطرة "، قال: القنطار: سبعون ألف دينار.
6720- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
6721 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عمر بن حوشب قال، سمعت عطاء الخراساني قال: سئل ابن عمر عن القنطار فقال: سبعون ألفًا. (66)
* * *
وقال أخرون: هي مِلء مَسْك ثور ذهبًا. (67)
ذكر من قال ذلك:
6722 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سالم بن نوح قال، حدثنا سعيد الجرَيْري، عن أبي نضرة قال: ملءُ مَسك ثور ذهبًا.
6723 - حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو الأشعث، عن أبي نضرة: ملء مَسك ثور ذهبًا.
* * *
وقال آخرون: هو المال الكثير.
ذكر من قال ذلك:
6724 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال: " القناطير المقنطرة "، المال الكثير، بعضُه على بَعض.
* * *
وقد ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب: (68) أن العرب لا تحدّ القنطار بمقدار معلوم من الوزن، ولكنها تقول: " هو قَدْرُ وزنٍ". (69)
قال أبو جعفر: وقد ينبغي أن يكون ذلك كذلك، لأن ذلك لو كان محدودًا قدرُه عندها، لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه كلّ هذا الاختلاف.
* * *
قال أبو جعفر: فالصواب في ذلك أن يقال: هو المال الكثير، كما قال الربيع بن أنس، ولا يحدُّ قدرُ وزنه بحدٍّ على تَعسُّف. (70) وقد قيل ما قيل مما روينا.
* * *
وأما " المقنطرة "، فهي المضعَّفة، وكأن " القناطير " ثلاثة، و " المقنطرة " تسعة. (71) وهو كما قال الربيع بن أنس: المال الكثيرُ بعضه على بعض، كما:-
6725 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: " القناطير المقنطرة من الذهب والفضة "، والمقنطرة المال الكثيرُ بعضه على بعض.
6726 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: " القناطير المقنطرة "، يعني المال الكثير من الذهب والفضة.
* * *
وقال آخرون: معنى " المقنطرة ": المضروبة دراهم أو دنانير.
ذكر من قال ذلك:
6727 - حدثنا موسى قالى، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: " المقنطرة "، فيقول: المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم.
* * *
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا - خبرٌ لو صحّ سندُه، لم نعدُه إلى غيره. وذلك ما:-
6728 - حدثنا به ابن عبد الرحمن البرقي قال، حدثني عمرو بن أبي سلمة قال، حدثنا زهير بن محمد قال، حدثني أبان بن أبي عياش وحميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [سورة النساء: 20]، قال: ألفا مئين يعني = ألفين. (72)
* * *
القول في تأويل قوله : وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " المسوَّمة ".
فقال بعضهم: هى الراعية.
ذكر من قال ذلك:
6729 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير: " الخيل المسوّمة "، قال: الراعية، التي ترعى.
6730 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، مثله.
6731 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير مثله.
6732 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير: هي الراعية، يعني: السائمة.
6733 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن طلحة القناد قال، سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى يقول: الراعية.
6734 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " والخيل المسومة ". قال: الراعية.
6735 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، : " والخيل المسومة " المسرَّحة في الرّعي.
6736 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " والخيل المسوّمة، قال: الخيل الراعية.
6737 - حدثت عن عمار قال ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد: أنه كان يقول: الخيل الراعية.
* * *
وقال آخرون: " المسوّمة ": الحسان.
ذكر من قال ذلك:
6738 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب قال: قال مجاهد: " المسوّمة "، المطهَّمة.
6739 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد في قوله: " والخيل المسومة "، قال: المطهَّمة الحسان.
6740- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " والخيل المسوّمة "، قال: المطهمة حسْنًا.
6741- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
6742- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد: المطهمة.
6743 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال: سألت عكرمة عن " الخيل المسوّمة "، قال: تَسويمها، حُسنها. (73)
6744 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال: سمعت عكرمة يقول: " الخيل المسوّمة "، قال: تسويمها: الحُسن. (74)
6745 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " الخيل المسوّمة والأنعام "، الرائعة.
* * *
وقد حدثني بهذا الحديث عن عمرو بن حماد غيرُ موسى، قال: الراعية.
* * *
وقال آخرون: " الخيل المسوّمة "، المعلَمة.
ذكر من قال ذلك:
6746 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " والخيل المسوّمة "، يعني: المعلَمة.
6747 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " والخيل المسوّمة "، وسيماها، شِيَتُها. (75)
6748 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " والخيل المسوّمة "، قال: شِيَة الخيل في وُجوهها.
* * *
وقال غيرهم: " المسوّمة "، المعدّة للجهاد.
ذكر من قال ذلك:
6749 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " والخيل المسومة "، قال: المعدّة للجهاد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: " والخيل المسوّمة "، المعلَمة بالشِّيات، الحسان، الرائعة حسنًا من رآها. لأن " التسويم " في كلام العرب: هو الإعلام. فالخيل الحسان مُعلَمةٌ بإعلام الله إياها بالحسن من ألوانها وشِياتها وهيئاتها، وهي" المطهَّمة "، أيضًا. ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان في صفة الخيل:
بِضُمْـــرٍ كَـــالقِدَاحِ مُســوَّماتٍ
عَلَيْهَـــا مَعْشَــرٌ أَشْــبَاهُ جِــنِّ (76)
يعني ب " المسوّمات "، المعلمات، وقول لبيد:
وَغَــدَاةَ قَــاعِ القُــرْنَتَيْنِ أَتَيْنَهُـمْ
زُجَــلا يُلُــوحُ خِلالَهَــا التَّسْـوِيمُ (77)
فمعنى تأويل من تأول ذلك: " المطهمةَ، والمعلمة، والرائعة "، واحدٌ.
* * *
وأما قول من تأوّله بمعنى: الراعية، فإنه ذهب إلى قول القائل: " أسمْتُ الماشية فأنا أُسيمها إسامة "، إذا رعيتها الكلأ والعشب، كما قال الله عز وجل: وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [سورة النحل: 10]، بمعنى: ترعَوْن، ومنه قول الأخطل:
مِثْـلَ ابْـنِ بَزْعَـةَ أَوْ كـآخَرَ مِثْلِـهِ,
أَوْلَـى لَـكَ ابْـنَ مُسِـيمَةِ الأجْمَـالِ! (78)
يعني بذلك: راعية الأجمال. فإذا أريد أنّ الماشية هي التي رعت، قيل: " سامت الماشية تسوم سومًا "، ولذلك قيل: " إبل سائمة "، بمعنى: راعية، غير أنه غير مستفيض في كلامهم: " سوَّمتُ الماشيةَ"، بمعنى أرعيتها، وإنما يقال إذا أريد ذلك: " أسمتها ".
* * *
فإذْ كان ذلك كذلك، فتوجيه تأويل " المسوّمة " إلى أنها " المعلمة " بما وصفنا من المعاني التي تقدم ذكرها، أصحّ.
* * *
وأما الذي قاله ابن زيد: من أنها المعدّة في سبيل الله، فتأويل من معنى " المسوّمة "، بمعزِلٍ.
* * *
القول في تأويل قوله : وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ
قال أبو جعفر: فـ" الأنعام " جمع " نَعَم "، وهي الأزواج الثمانية التي ذكرها في كتابه: من الضّأن والمعِز والبقر والإبل. (79)
* * *
وأما " الحرث "، فهو الزّرع. (80)
* * *
وتأويل الكلام: زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء، ومن البنين، ومن كذا، ومن كذا، ومن الأنعام والحرث.
* * *
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جَل ثناؤه: " ذلك "، جميعَ ما ذُكر في هذه الآية من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث. فكنى بقوله: " ذلك " عن جميعهن. وهذا يدل على أن " ذلك " يشتمل على الأشياء الكثيرة المختلفة المعاني، ويكنى به عن جميع ذلك.
* * *
وأما قوله: " متاع الحياة الدنيا "، فإنه خبر من الله عن أن ذلك كله مما يَستمتع به في الدنيا أهلها أحياءً، فيتبلَّغون به فيها، ويجعلونه وُصْلة في معايشهم، وسببًا لقضاء شهواتهم، التي زُيِّن لهم حبها في عاجل دنياهم، (81) دون أن تكون عدّة لمعادهم، وقُرْبة لهم إلى ربهم، إلا ما أسلِك في سبيله، وأنفق منه فيما أمَر به. (82)
* * *
وأما قوله: " والله عنده حسن المآب "، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وعند الله حُسن المآب = يعني: حسن المرْجع، كما:-
6750 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدّي: " والله عنده حسن المآب "، يقول: حسن المنقلب، وهي الجنة.
* * *
= وهو مصدر على مثال " مَفْعَل " من قول القائل: "آب الرجل إلينا "، إذا رجع،" فهو يؤوب إيابًا وأوبة وأيبةً وَمآبًا "، (83) غير أن موضع الفاء منها مهموز، والعين مبدلة من " الواو " إلى " الألف " بحركتها إلى الفتح. فلما كان حظها الحركة إلى الفتح، (84) وكانت حركتها منقولة إلى الحرف الذي قبلها - وهو فاء الفعل - انقلبت فصارت " ألفا "، كما قيل: " قال " فصارت عين الفعل " ألفًا "، لأن حظها الفتح." والمآب " مثل " المقال " و " المعاد " و " المجال "، (85) كل ذلك " مفعَل " منقولة حركة عينه إلى فائه، فمصيَّرةٌ واوه أو ياؤه " ألفًا " لفتحة ما قبلها.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف قيل: " والله عنده حسن المآب "، وقد علمتَ ما عنده يومئذ من أليم العذاب وشديد العقاب؟
قيل: إن ذلك معنىّ به خاصٌ من الناس، ومعنى ذلك: (86) والله عنده حسن المآب للذين اتقوا ربهم. وقد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية التي تليها.
* * *
فإن قال: وما " حسن المآب "؟ قيل: هو ما وصفه به جل ثناؤه، وهو المرجع إلى جنات تجري من تحتها الأنهار مُخلَّدًا فيها، وإلى أزواج مطهرة ورضوان من الله.
--------------------------
الهوامش :
(61) في القرطبي 4: 28 : "من زينها؟" استفهام"زينها" فعل. ولم أجد خبر الحسن ، ولكني أذكر كأني قرأته قديمًا ، وهو يسخر من أمر الدنيا ، ويقول: من حسنها ، أن الذي يذمها ويقبحها هو الذي خلقها! و"الزين" خلاف الشين ، مصدر"زان الشيء يزينه زينًا".
(62) الأثر: 6700- ذكره ابن كثير في تفسيره 2: 109 ، 110 ، وأشار إلى رواية أحمد: "حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار اثنا عشر ألف أوقيه ، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض" وذكر رواية ابن ماجه ووكيع ، وصحح أن هذا الأثر موقوف ، كما رواه ابن جرير ووكيع.
(63) الأثر: 6701-"زكريا بن يحيى الضرير" هو: "زكريا بن يحيى بن أيوب ، أبو علي الضرير المدائني" ، حدث عن زياد البكائي ، وشبابة بن سوار ، وسليمان بن سفيان الجهني ، روى عنه محمد بن علي المعروف بمعدان ، ومحمد بن غالب التمتام ، ويحيى بن صاعد ، والقاضي المحاملي. مترجم في تاريخ بغداد 8: 457. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "زكريا بن يحيى الصديق" ، وهو خطأ ، والصواب من تفسير ابن كثير 2: 110.
و"شبابة" هو"شبابة بن سوار الفزاري". قال أحمد: "تركته لم أكتب عنه للإرجاء ، كان داعية". وقال زكريا الساجي: "صدوق ، يدعو إلى الإرجاء. كان أحمد يحمل عليه". وقد وثقه ابن معين وابن سعد على إرجائه. مترجم في التهذيب ، و"مخلد بن عبد الواحد" أبو الهذيل البصري روى عن علي ابن زيد بن جدعان ، وروى عنه شبابة. قال ابن حبان: "منكر الحديث جدًا". وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث. مترجم في لسان الميزان ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 348. و"علي بن زيد بن جدعان" مضى برقم: 40. و"عطاء بن أبي ميمونة" روى عن أنس وعمران وجابر بن سمرة ، وغيرهم. وثقه أبو زرعة والنسائي. وقال أبو حاتم: "لا يحتج بحديثه وكان قدريًا" ، وقال ابن عدي: "في أحاديثه بعض ما ينكر عليه".
وقد روى ابن كثير هذا الأثر في تفسيره 2: 110 وقال: "وهذا حديث منكر أيضًا". والأقرب أن يكون موقوفًا على أبي بن كعب ، كغيره من الصحابة" - يعني كالأثر السالف الموقوف على أبي هريرة ، وما قبله عن معاذ بن جبل وابن عمر.
(64) الورق (بفتح الواو وكسر الراء): الفضة ، أو الدراهم من الفضة.
(65) الأثر: 6710- هذا إسناد ناقص بلا ريب ، وقد وضعت مكان الخرم هذه النقط ، وسبب ذلك أن الناسخ انتهى في آخر الصفحة بقوله: "حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا" وانتقل إلى الصفحة التالية فبدأها: "قال أخبرنا عوف" فهو سهو منه. وإسناد"محمد بن بشار" إلى"عوف عن الحسن" ، مختلف ، منه الأسناد رقم: 2570 مثلا: "حدثنا محمد بن بشار ، قال حدثنا يحيى ، عن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن" ، وغيره مما لم أستطع أن أتتبعه الآن.
(66) الأثر: 6721-"عمر بن حوشب الصنعاني" ، روى إسماعيل بن أمية. وروى عنه عبد الرزاق ذكره ابن حبان في الثقات. قال ابن القطان: "لا يعرف حاله" ، مترجم في التهذيب. وابن أبي حاتم 3 / 1 / 105.
(67) المسك (بفتح الميم وسكون السين): هو مسلاخ الجلد الذي يكون فيه الثور وغيره.
(68) يعني أبا عبيدة معمر بن المثنى ، كما أشار إليه بذلك مرارًا سلفت ، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 88.
(69) نص أبي عبيدة"هو قدر وزن ، لا يحدونه" ، بإضافة"قدر" إلى"وزن" ، وهو كذلك في المخطوطة ، ولكن المطبوعة زادت واوًا فجعلته"قدر ووزن".
(70) في المطبوعة: "على تعنف" ، وفي المخطوطة: "على تعنف" غير منقوطة ، وأظن صواب قراءتها ما أثبت.
(71) هذا من كلام الفراء في معاني القرآن 1: 195 بتصرف ، ونصه"والقناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة ، كذلك سمعت".
(72) الحديث: 6728- ابن عبد الرحمن البرقي: هكذا ثبت في المخطوطة والمطبوعة ، ولم أعرف من هو. ونقل ابن كثير 2: 110 هذا الحديث من تفسير ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي ، أنبأنا عمرو بن أبي سلمة...". فلم أجد أيضًا"أحمد بن عبد الرحمن الرقي" - ولم يترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل. ويبعد جدًا أن لا يترجم لشيخه.
ولكن من شيوخ الطبري: أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي الحافظ. روى عنه في: 22 باسم"ابن البرقي". وفي: 160 ، باسم"أحمد بن عبد الرحيم البرقي". نسب إلى جده. وفي: 5444 ، باسم"ابن البرقي". وهو في الرواية الأخيرة يروى عن عمرو بن أبي سلمة ، كمثل الرواية التي هنا.
فمن المحتمل أن يكون هو الذي هنا ، وأن تكون كتابة"ابن عبد الرحمن" بدلا من"ابن عبد الرحيم" خطأ من الناسخين.
ولكن يعكر عليه اتفاق"بن عبد الرحمن" في رواية ابن أبي حاتم وما ثبت هنا. فإنه يبعد جدًا اتفاق الناسخين على خطأ واحد معين ، في كتابين مختلفين ، لمؤلفين ، ليس أحدهما ناقلا عن الآخر.
فلعل"أحمد بن عبد الرحمن الرقي" أو "البرقي" - شيخ آخر روى عنه الطبري وابن أبي حاتم لم تقع إلينا ترجمته.
عمرو بن أبي سلمة: مضت ترجمته في: 5444.
زهير بن محمد التميمي الخراساني المروزي: ثقة ، وثقه أحمد وغيره.
أبان بن أبي عياش ، واسم أبي عياش"فيروز": تابعي روى عن أنس ، ولكنه ضعيف. قال أحمد: "منكر الحديث". وقال ابن معين: "ليس حديثه بشيء". وقال أبو حاتم: "متروك الحديث ، وكان رجلا صالحًا ، ولكن بلى بسوء الحفظ". وقال البخاري: "كان شعبة سيئ الرأي فيه".
ولكن ضعف أبان لا يؤثر في صحة هذا الحديث ، لأن زهير بن محمد سمعه منه ، وسمعه أيضًا من"حميد الطويل" ، وحميد: ثقة ، كما مضت ترجمته في: 3877.
والحديث رواه الحاكم في المستدرك 2: 178 ، عن أبي العباس الأصم ، عن أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد: "حدثنا حميد الطويل ، ورجل آخر ، عن أنس بن مالك ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: (والقناطير المقنطرة)؟ قال: القنطار ألفا أوقية". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. ووقع في مختصر الذهبي المطبوع مع المستدرك"ألف أوقية" بالإفراد ، وهو خطأ مطبعي ، وثبت على الصواب في مخطوطة المختصر التي عندي ، موافقًا لما في أصل المستدرك.
ونقله ابن كثير 2: 110 - كما قلنا من قبل - عن رواية ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن عبد الرحمن الرقي ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد: "أنبأنا حميد الطويل ، ورجل آخر قد سماه ، يعني يزيد الرقاشي ، عن أنس". وفيه: "يعني ألف دينار".
فالرجل الآخر المبهم في رواية الحاكم ، يحتمل أن يكون أبان بن أبي عياش ، كما في رواية الطبري هذه ، ويحتمل أن يكون يزيد الرقاشي ، كما في رواية ابن أبي حاتم ، ويزيد بن أبان الرقاشي: ضعيف أيضًا ، كما مضى في شرح: 6654.
وقد ذكر السيوطي رواية الحاكم ، في هذا الموضع من تفسير آية آل عمران 2: 10 وذكر رواية الطبري التي هنا ، في موضعها من تفسير الآية: 20 من سورة النساء ، الدر المنثور 2: 133.
ولفظ الحديث هنا اضطربت فيه النسخ ، ففي المطبوعة: "ألفا مئين ، يعني ألفين" وذكر مصححها بالهامش أن هذا في بعض النسخ ، وأن في بعضها: "ألفًا ومئين". ورواية السيوطي - نقلا عن الطبري: "ألفا ومئتين ، يعني ألفين".
والراجح عندي أن هذا كله تحريف ، وأن الصحيح اللفظ الذي في رواية الحاكم.
(73) الأثر: 6743-"أبو عبد الرحمن المقرئ" هو: "عبد الله بن يزيد العدوي مولى آل عمر" مترجم في التهذيب. و"بشير بن أبي عمرو الخولاني" مصري ، روى عن عكرمة والوليد بن قيس التجيبي ، روى عنه سعيد بن أبي أيوب والليث وابن لهيعة. ثقة مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 377. وفي المطبوعة والمخطوطة: "بشر بن أبي عمرو الخولاني" وهو خطأ.
(74) الأثر: 6744- في المخطوطة والمطبوعة: "بشر بن أبي عمرو الخولاني" وهو خطأ. انظر التعليق السالف.
(75) "الشية": كل ما خالف اللون من جميع جسد الفرس أو غيره ، وجمعها"شيات" ، وأصلها من"الوشي". وشي الثوب وشيًا وشية: حسنه ونمنمه ونقشه.
(76) ديوانه: 86 ، من قصيدته حين قتلت بنو عبس نضلة الأسدي ، وقتلت بنو أسد منهم رجلين ، فأراد عيينة بن حصن عون بني عبس ، وأن يخرج بني أسد من حلف بني ذبيان ، فقال:
إِذَا حَــاوَلْتَ فِــي أَسَــدٍ فُجُـورًا
فــإِنِّي لَسْـتُ مِنْـكَ وَلَسْـتَ مِنِّـي
ثم أثنى عليهم ، وذكر أيامهم ، فمما ذكر:
وَقَــدْ زَحَــفُوا لِغَسَّــانٍ بزَحْـفٍ
رَحِــيبِ السَّـرْبِ أَرْعَـنَ مُرْجَحِـنِّ
بِكُــلِّ مُحَــرَّبٍ كــاللَّيْثِ يَسْـمُو
عَــلَى أوْصَــالِ ذَيَّــالٍ رِفَــنِّ
وضُمْــــرٍ كَـــالقِدَاحِ . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "بسمر" ، وليس من صفة الجياد أن يقال"سمر" ، بل السمر الرماح ، أما الضمر (بضم فسكون) فجمع ضامر ، وقياس جمعه ضوامر ، إلا أن (فاعل) الصفة منه ما يجمع على (فعل) بضم الفاء والعين ، مثل"بازل وبزل ، وشارف وشرف" ، شبهوه بفعول لمناسبته له في عدد الحروف. ثم يخفف (فعل) عند بني تميم فتسكن عينه. والقداح جمع قدح (بكسر فسكون): وهو السهم إذا قوم وأنى له أن يراش. تشبه به الخيل الضوامر.
(77) ديوان قصيدة: 16 ، البيت: 41 ، والبيت من أبيات في القصيدة يذكر فيها عزه وعز قومه ، أولها:
إنِّـي امْـرُءٌ مَنَعَـتْ أَرُومَـةُ عَــامِرٍ
ضَيْمِـى, وقـد جَـنَفَتْ عَـلَيَّ خُصُومُ
جَــهَدُوا العَــدَاوةَ كُلَّهـا, فأَصَدَّهـا
عِّنــي مَنَــاكِبُ عِزُّهــا مَعْلُـومُ
مِنْهــا: حُــوَيٌّ, والذُّهـابُ, وقَبْلَـهُ
يَــوْمٌ بِبُرْقَــةِ رَحْرَحَــانَ كَـرِيمُ
وغَــدَاةَ قَـاعِ القُـرْنتين. . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
و"حوى" ، و"الذهاب" و"برقة رحرحان" و"قاع القرنتين" كلها مواضع كانت لقومه فيها وقائع ، ظفروا فيها. وقوله: "أتينهم" الضمير للخيل عليها أصحابها. والضمير الآخر لأعدائه. والزجل جمع زجلة (بضم فسكون): الجماعة من الناس والخيل. ورواية ديوانه: "رهوًا" ، أي متتابعة. وخلالها: وسطها.
(78) ديوانه: 159 ، والأغاني 8: 319 ، وطبقات فحول الشعراء: 418 ، وسيأتي في التفسير 14: 60 (بولاق) ، وهو من قصيدته التي رفع فيها ذكر عكرمة بن ربعي الفياض ، كاتب بشر بن مروان. وذلك أن الأخطل أتى حوشب بن رويم الشيباني فقال: إني تحملت حمالتين لأحقن بهما دماء قومي! فنهره. فأتى شداد بن البزيعة ، (هو شداد بن المنذر الذهلي ، أخو الحضين بن المنذر صاحب راية علي يوم صفين) ، فسأله ، فاعتذر إليه شداد. فأتى عكرمة الفياض فأخبره بما قال له الرجلان ، فقال: أما إني لا أنهرك ولا أعتذر إليك ، ولكني أعطيك إحداهما عينًا ، والأخرى عرضًا. فأشاد به الأخطل وهجا الرجلين فقال:
وَلَقَــدْ مَنَنْـتَ عَـلَى رَبِيعَــةَ كلَّهـا
وكَــفَيْتَ كُــلَّ مُــواِكلٍ خَــذّالِ
كَـزْمِ اليَـدَيْنِ عَـنِ العَطِيَّــةِ مُمْسِـكٍ
لَيْسَــتْ تَبِــضُّ صَفَاتُــهُ ببِـلالِ
كــابنِ البَزِيَعــةِ, أو كـآخَرَ مِثْلِـه,
أَوْلَـى لـك ابْـنَ مُسِـيَمةِ الأَجْمَـالِ!
إِنَّ اللَّئِـــيمَ إذَا سَـــأَلْتَ بَهَرْتَــهُ
وتــرَى الكَــرِيمَ يَـرَاحُ كالمُخْتَـالِ
وفي المخطوطة: "أولى ابن مسيمة..." ، خطأ."وابن البزيعة" ، هو"ابن بزعة" في رواية الطبري هنا. والبزيعة (على وزن كريمة) أم شداد بن المنذر. وقد ضبطتها في طبقات فحول الشعراء بالتصغير ، اتباعًا لما في تاريخ الطبري مضبوطًا بالقلم. ولكني هنا أستدرك هذا ، وأرجح أني كما ضبطته هنا: "البزيعة": الجارية الظريفة المليحة الذكية القلب. وقد ذكر شداد بن بزيعة عند زياد بن أبي سفيان في الشهود وهو (زياد بن سمية ، وابن أبيه) فلما قيل: "ابن بزيعة" قال: ما لهذا أب ينسب إليه؟ ألقوا هذا من الشهود". فقيل له: إنه أخو حضين بن المنذر! قال: فانسبوه إلى أبيه. فبلغ ذلك شدادًا فقال: ويل علي ابن الزانية! أو ليست أمه أعرف منه بأبيه؟ والله ما ينسب إلا إلى أمه سمية!! (تاريخ الطبري 6: 151).
(79) في سورة الأنعام: 142-144.
(80) انظر تفسير"الحرث" فيما سلف 4: 240-243 ، 397.
(81) في المخطوطة: "زين لهم حملها..." ، وهو من أوهام صاحبنا الناسخ.
(82) انظر تفسير"المتاع" فيما سلف 1: 539 ، 540 / ثم 3: 55 / ثم 5: 260.
(83) "أيبة" بفتح الهمزة وكسرها وسكون الياء ، وهي على المعاقبة من الواو.
(84) في المخطوطة: "قلنا كان حظها..." وهي من لطائف صاحبنا غفر الله له.
(85) في المخطوطة والمطبوعة: "المحال" بالحاء ، والصواب ما أثبت.
(86) في المخطوطة كتب"وبين" والواو متصلة بما بعدها ، حتى ما تكاد تقرأ ، والذي في المطبوعة لا بأس به في قراءة هذه الكلمة.

تفسير قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 15

القول في تأويل قوله : قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: قل، يا محمد، للناس الذين زُيِّن لهم حب الشهوات من النساء والبنين، وسائر ما ذكر ربنا جل ثناؤه: " أؤنبئكم "، أأخبركم وأعلمكم (87) =" بخير من ذلكم "، يعني: بخير وأفضل لكم =" من ذلكم "، يعني: مما زُيِّن لكم في الدنيا حبُّ شهوته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأنواع الأموال التي هي متاع الدنيا.
* * *
ثم اختلف أهل العربية في الموضع الذي تناهى إليه الاستفهام من هذا الكلام.
فقال بعضهم: تناهى ذلك عند قوله: " من ذلكم "، ثم ابتدأ الخبر عما للذين اتقوا عند ربهم، فقيل: " للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها "، فلذلك رفع " الجنات ".
* * *
ومن قال هذا القول لم يجز في قوله: " جنات تجري من تحتها الأنهار " إلا الرفع، وذلك أنه خبر مبتدأ غيرُ مردود على قوله: " بخير "، فيكون الخفض فيه جائزا. وهو وإن كان خبرًا مبتدأ عندهم، ففيه إبانة عن معنى " الخير " الذي أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: للناس: أؤنبئكم به؟" والجنات " على هذا القول مرفوعة باللام التي في قوله: " للذين اتقوا عند ربهم ".
* * *
وقال آخرون منهم بنحو من هذا القول، إلا أنهم قالوا: إن جعلت اللام التي في قوله: " للذين " من صلة " الإنباء "، جاز في" الجنات " الخفض والرفع: الخفضُ على الرد على " الخير "، والرفع على أن يكون قوله: " للذين اتقوا " خبرَ مبتدأ، على ما قد بيَّناه قبلُ.
* * *
وقال آخرون: بل منتهى الاستفهام قوله: " عند ربهم "، ثم ابتدأ: " جناتٌ تجري من تحتها الأنهار ". وقالوا: تأويل الكلام: " قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم "، ثم كأنه قيل: " ماذا لهم ". أو: " ما ذاك "؟ (88) فقال: هو " جناتٌ تجري من تحتها الأنهار "، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من جعل الاستفهام متناهيًا عند قوله: " بخير من ذلكم "، والخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله: " للذين اتقوا عند ربهم جنات "، فيكون مخرج ذلك مخرج الخبر، وهو إبانة عن معنى " الخير " الذي قال: أؤنبئكم به؟ (89) فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير. قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وأما قوله: " خالدين فيها "، فمنصوب على القطع (90)
* * *
ومعنى قوله: " للذين اتقوا "، للذين خافوا الله فأطاعوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. (91) =" عند ربهم "، يعني بذلك: لهم جنات تجري من تحتها الأنهار عند ربهم.
* * *
" والجنات "، البساتين، وقد بينا ذلك بالشواهد فيما مضى = وأنّ قوله: " تجري من تحتها الأنهار "، يعني به: من تحت الأشجار، وأن " الخلود " فيها دوام البقاء فيها، وأن " الأزواج المطهرة "، هن نساء الجنة اللواتي طُهِّرن من كل أذًى يكون بنساء أهل الدنيا، من الحيض والمنىّ والبوْل والنفاس وما أشبه ذَلك من الأذى = بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (92)
* * *
وقوله: " ورِضْوَانٌ من الله "، يعني: ورضى الله، وهو مصدر من قول القائل: " رَضي الله عن فلان فهو يَرْضى عنه رضًى " منقوص " ورِضْوانًا ورُضْوانًا ومَرْضاةً". فأما " الرُّضوان " بضم الراء، فهو لغة قيس، وبه كان عاصم يقرأ.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما ذكر الله جل ثناؤه فيما ذكر للذين اتقوا عنده من الخير = رضْوانَه، لأن رضوانه أعلى منازل كرامة أهل الجنة، كما:-
6751 - حدثنا ابن بشار قال، حدثني أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهلُ الجنة الجنة، قال الله تبارك وتعالى: أعطيكم أفضلَ من هذا! فيقولون: أيْ ربنا، أيّ شيء أفضل من هذا؟ قال: رِضْواني. (93)
* * *
وقوله: " والله بصير بالعباد "، يعني بذلك: واللهُ ذو بصر بالذي يتقيه من عباده فيخافه، (94) فيطيعه، ويؤثر ما عنده مما ذكر أنه أعدّه للذين اتقوه على حُبّ ما زُيِّنَ له في عاجل الدنيا من شهوات النساء والبنين وسائر ما عدّد منها تعالى ذكره = وبالذي لا يتقيه فيخافه، ولكنه يعصيه ويطيع الشيطان ويؤثر ما زيِّن له في الدنيا من حب شهوة النساء والبنين والأموال، على ما عنده من النعيم المقيم = عالمٌ تعالى ذكره بكلّ فريق منهم، حتى يجازي كلَّهم عند معادهم إليه جزاءَهم، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته.
* * *
------------------------
الهوامش:
(87) انظر تفسير"أنبأ" فيما سلف 1: 488 ، 489.
(88) في المطبوعة والمخطوطة بعد هذا ، وقيل قوله: "فقال: هو جنات..." ما نصه: "أو على أنه يقال: ماذا لهم؟ أو ما ذاك؟" ومن البين أن هذا تكرار لا معنى له ، وأنه من سهو الناسخ الكثير السهو. فمن أجل ذلك طرحته من المتن.
(89) في المخطوطة والمطبوعة: "أنبئكم به" ، والصواب ما أثبت ، وانظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 195-198.
(90) عند هذا انتهى آخر جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا ، وفيها ما نصه:
"يتلوه: وأما قوله: {خالدين فيها} فمنصوب على القطع.
وصلى الله على سيدنا محمد النبيّ وعلى آله الطاهرين وسَلّم كثيرًا"
ويتلوه ما نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم".
"القطع" ، يعني: الحال ، كما بينت في 2: 392 ، والمراجع هناك ، وانظر فهرس المصطلحات في الأجزاء السالفة. ثم انظر ما سيأتي: ص 270 ، تعليق: 3 .
(91) انظر تفسير"اتقى" في فهارس اللغة مادة"وقى".
(92) انظر تفسير"الجنة" فيما سلف 1: 384 / ثم 5: 535 ، 542 = وتفسير"الخلود" فيما سلف 1: 397 ، 398 / 2: 286 / 4: 317 / 5: 429 = وتفسير"الأزواج المطهرة" فيما سلف 1: 395-397.
(93) الأثر: 6751- هذا خبر غير مرفوع ، ولكن شاهده من المرفوع ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! يقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك! قالوا: يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم أبدًا".
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى حديث جابر في الفتح 11: 364 ، وقال: عند البزار وصححه ابن حبان". ولم أجد لفظه.
(94) انظر تفسير"بصير" فيما سلف 2: 140 ، 376 ، 506 / ثم 5: 76 ، 167.