القول في تأويل قوله تعالى : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يُطَففون، يعني: للذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء، وأصل ذلك من الشيء الطفيف، وهو القليل النـزر، والمطفِّف: المقلِّل حقّ صاحب الحقّ عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن؛ ومنه قيل للقوم الذي يكونون سواء في حسبة أو عدد: هم سواء كطَفّ الصاع، يعني بذلك: كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ضِرار، عن عبد الله، قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن إن أهل المدينة ليوفون الكيل، قال: وما يمنعهم من أن يوفوا الكيل، وقد قال الله: ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) حتى بلغ: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " لما قَدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، كانوا من أخبث الناس كيلا فأنـزل الله: ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) فأحسنوا الكيل " .
حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثنا سلم بن قتيبة، عن قسام الصيرفي، عن عكرمة قال: أشهد أن كلّ كيال ووزّان في النار، فقيل له في ذلك، فقال: إنه ليس منهم أحد يزن كما يتزن (2) ولا يكيل كما يكتال، وقد قال الله: ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) .
------------------------
الهوامش:
(2) يتزن : أي يأخذ الشيء لنفسه وزنا .
وقوله: ( الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) يقول تعالى ذكره: الذين إذا اكتالوا من الناس ما لهم قبلهم من حقّ، يستوفون لأنفسهم فيكتالونه منهم وافيا، و " على " و " مِن " في هذا الموضع يتعاقبان غير أنه إذا قيل: اكتلت منك، يراد: استوفيت منك.
وقوله: ( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ ) يقول: وإذا هم كالوا للناس أو وزنوا لهم. ومن لغة أهل الحجاز أن يقولوا: وزنتك حقك، وكلتك طعامك، بمعنى: وزنت لك وكلت لك. ومن وجَّه الكلام إلى هذا المعنى جعل الوقف على " هم " ، وجعل " هم " في موضع نصب. وكان عيسى بن عمر فيما ذُكر عنه يجعلهما حرفين، ويقف على كالوا، وعلى وزنوا، ثم يبتدئ هم يخسرون. فمن وجَّه الكلام إلى هذا المعنى جعل " هم " في موضع رفع، وجعل كالوا ووزنوا مكتفيين بأنفسهما.
والصواب في ذلك عندي الوقف على " هم " ، لأن كالوا ووزنوا لو كانا مكتفيين، وكانت هم كلاما مستأنفا، كانت كتابة كالوا ووزنوا بألف فاصلة بينها وبين هم مع كل واحد منهما، إذ كان بذلك جرى الكتاب في نظائر ذلك إذا لم يكن متصلا به شيء من كنايات المفعول، فكتابهم ذلك في هذا الموضع بغير ألف أوضح الدليل على أن قوله: ( هُمْ ) إنما هو كناية أسماء المفعول بهم. فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا على ما بيَّنا.
وقوله: ( يُخْسِرُونَ ) يقول: ينقصونهم.
وقوله: ( أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: ألا يظنّ هؤلاء المطففون الناس في مكاييلهم وموازينهم أنهم مبعوثون من قبورهم بعد مماتهم.
ليوم عظيم شأنه: هائل أمره، فظيع هوله.
وقوله: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأول المخفوض، ولكنه لما لم يعد عليه اللام ردّ إلى " مبعوثون "، فكأنه قال: ألا يظنّ أولئك &; 24-279 &; أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض، لأنها إضافة غير محضة، ولو خفض ردّا على اليوم الأوّل لم يكن لحنا، ولو رفع جاز، كما قال الشاعر:
وكُـنتُ كَـذي رِجْلَينِ: رِجلٍ صَحِيحةٍ
وَرِجْـلٍ رمَـى فِيهـا الزَّمـان فشُلَّتِ (3)
وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة حتى يلجمهم العرق، فبعض يقول: مقدار ثلثمائة عام، وبعض يقول: مقدار أربعين عاما.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: يقوم أحدكم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم "( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " .
حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا ابن عون، عن نافع، قال: قال ابن عمر: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ النَّاس يُوقَفُون يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللهِ، حتى إنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) يَوْم الْقِيامَةِ لِعَظَمَة الرَّحْمَنِ"، ثم ذكر مثله.
حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر قال: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرَّشْحُ إلى أنْصَاف آذانِهِمْ ".
حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبي، عن صالح، قال: ثنا نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) يَوْمَ الْقِيامَةِ، حتى يَغِيبَ أحَدُهُمْ إلى أنصَافِ أذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة بن سعيد، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، في قوله: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: يقومون مئة سنة.
حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) يَوْمَ الْقِيامَةِ، حتَّى إنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرجل إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
حدثنا ابن المثنى وابن وكيع، قالا ثنا يحيى، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " يَقُومُ النَّاسُ لِربّ الْعالمِين حتى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ".
حدثني محمد بن إبراهيم السليمي المعروف بابن صدران، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق قال: ثنا عبد السلام بن عجلان، قال: ثنا يزيد المدني، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغفاري: " كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِربّ الْعَالمِين مِقْدَارَ ثَلثِمائَةِ سَنَةٍ مِنْ أيَّامِ الدُّنْيا، لا يأتِيُهْم خَبرٌ مِنَ السَّماءِ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْر " ، قال بشير: المستعان الله يا رسول الله، قال: " إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فَتَعَوَّذْ بالله مِنْ كُرَب يَوْمِ القِيامَة، وَسُوءِ الْحِساب ".
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن مسعود، في قوله: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: يمكثون أربعين عاما رافعي رءوسهم إلى السماء، لا يكلمهم أحد، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر، قال: فينادي مناد: أليس عدلا من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم، ثم رزقكم، ثم توليتم غيره أن يولي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا؟ قالوا: بلى، ثم ذكر الحديث بطوله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن سكن، قال: حدث عبد الله، وهو عند عمر ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء حفاة عراة يلجمهم العرق، ولا يكلّمهم بشر أربعين عاما، ثم ذكر نحوه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: يقومون ثلثمائة سنة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران وسعيد، عن قتادة ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: كان كعب يقول: يقومون مقدار ثلثمائة سنة.
قال: قتادة: وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ، قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المومن حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة.
قال: ثنا مهران، قال: ثنا العمريّ، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: يَقُومُ الرَّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيهِ".
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.
قال يعقوب، قال إسماعيل: قلت لابن عون: ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: " نَعَمْ إنْ شاءَ اللهُ ".
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثني عمي، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، حتى إنَّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْف أُذُنَيْهِ".
------------------------
الهوامش:
(3) البيت لكثير عزة وقد استشهد به المؤلف في الجزء ( 3 : 194 ) وأنشده الفراء في معاني القرآن ( 361 ) قال : وقوله : { يوم يقوم الناس } هو تفسير اليوم المخفوض ، لما ألقى اللام من الثاني رده إلى " مبعوثون " يوم يقوم الناس ؛ فلو خفضت يوم بالرد على البيت الأول ؛ كان صوابا وقد يكون في موضع خفض ، إلا أنها أضيفت إلى " يفعل " فنصبت إذا أضيفت إلى غير مخفوض ولو رفع على ذلك يوم يقوم كما قال الشاعر " وكنت كذى رجلين ... " ا هـ . وانظر ديوان كثير طبع بالجزائر ( 1 : 49 )
القول في تأويل قوله تعالى : كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
يقول تعالى ذكره: ( كَلا ) ، أي ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء الكفار، أنهم غير مبعوثين ولا معذّبين، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا( لَفِي سِجِّينٍ ) وهي الأرض السابعة السفلى، وهو " فعيل " من السجن، كما قيل: رجل سِكِّير من السكر، وفِسيق من الفسق.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: مثل الذي قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سميّ : ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال: في الأرض السابعة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سميّ، قال: ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال: الأرض السفلى، قال: إبليس مُوثَق بالحديد والسلاسل في الأرض السفلى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن سليمان الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: كنا جلوسا إلى كعب أنا وربيع بن خيثم وخالد بن عُرْعرة، ورهط من أصحابنا، فأقبل ابن عباس، فجلس إلى جنب كعب، فقال: يا كعب أخبرني عن سِجِّين، فقال كعب: أما سجِّين: فإنها الأرض السابعة السفلى، وفيها أرواح الكفار تحت حدّ إبليس.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) ذُكر أن عبد الله بن عمرو كان يقول: هي الأرض السفلى فيها أرواح الكفار، وأعمالهم أعمال السوء.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فِي سِجِّينٍ ) قال: في أسفل الأرض السابعة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) يقول: أعمالهم في كتاب في الأرض السفلى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( لَفِي سِجِّينٍ ) قال: عملهم في الأرض السابعة لا يصعد.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (1)
حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا مطرِّف بن مازن قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة قال: ( سِجِّينٍ ) الأرض السابعة.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لَفِي سِجِّينٍ ) يقول: في الأرض السفلى.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال: الأرض السابعة السفلى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال: يقال سجين: الأرض السافلة، وسجين: بالسماء الدنيا.
وقال آخرون: بل ذلك حدّ إبليس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له ابن عباس: حدِّثني عن قول الله: ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ... ) الآية، قال كعب: إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ويُهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها، فتهبط فتدخل تحت سبع أرضين، حتى ينتهي بها إلى سجين، وهو حدّ إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت حدّ إبليس، رَقّ فيرقم ويختم ويوضع تحت حدّ إبليس بمعرفتها الهلاك إلى يوم القيامة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: ( إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال: تحت حدّ إبليس.
وقال آخرون: هو جبّ في جهنم مفتوح، ورووا في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا به إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا مسعود بن مسكان الواسطي، قال: ثنا نضر بن خُزيمة الواسطي، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الفَلَقُ جُبّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطًّى، وأما سِجِّينٌ فمَفْتُوحٌ".
وقال بعض أهل العربية: ذكروا أن سجين: الصخرة التي تحت الأرض، قال: ويُرَى أن سجين صفة من صفاتها، لأنه لو كان لها اسما لم يجر، قال: وإن قلت: أجريته لأني ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها.
وإنما اخترت القول الذي اخترت في معنى قوله: ( سِجِّينٍ ) لما حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، قال: ثنا الأعمش، قال: ثنا المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عمرو، عن البراء، قال: ( سِجِّينٍ ) الأرض السفلى.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وذكر نفس الفاجر، وأنَّهُ يُصعَدُ بها إلى السَّماء، قال: " فَيَصْعَدُون بها فَلا يمُرُّونَ بِها عَلى مَلإ مِنَ المَلائِكَة إلا قالُوا: ما هَذَا الرُّوحُ الخَبِيثُ؟ قال: فَيَقُولُونَ: فُلانٌ بأقْبَحِ أسمَائِهِ التي كان يُسَمَّى بها في الدنيا حتى يَنْتَهوا بِهَا إلى السَّماء الدُّنْيا، فيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ. فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللهُ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي أسْفَلِ الأرْضِ فِي سجِّينٍ فِي الأرْضِ السُّفْلَى ".
حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا يحيى بن سليم، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ) قال: سجين: صخرة في الأرض السابعة، فيجعل كتاب الفجار تحتها.
------------------------
الهوامش :
(1) هذا الإسناد جاء في الأصل مرتين : مرة هنا ، ومرة في الذي قبله .
وقوله: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك يا محمد، أيّ شيء ذلك الكتاب، ثم بين ذلك تعالى ذكره.
فقال: هو ( كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) وعنى بالمرقوم: المكتوب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فِي ( كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) قال: كتاب مكتوب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) قال: رقم لهم بشرٍّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) قال: المرقوم: المكتوب.
وقوله: ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين بهذه الآيات، ( الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ )، يقول: الذين يكذبون بيوم الحساب والمجازاة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) قال: أهل الشرك يكذّبون بالدين، وقرأ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ ... إلى آخر الآية.
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
يقول تعالى ذكره: وما يُكذّبُ بيوم الدين ( إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ ) اعتدى على الله في قوله، فخالف أمره ( أثِيمٍ ) بربه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قال الله: ( وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ) أي بيوم الدين، إلا كلّ معتد في قوله، أثيم بربه.
( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ) يقول تعالى ذكره: إذا قُرئ عليه حججنا وأدلتنا التي بيَّنَاها في كتابنا الذي أنـزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ( قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) يقول: قال: هذا ما سطَّره الأوّلون فكتبوه، من الأحاديث والأخبار.
وقوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول تعالى ذكره مكذّبا لهم في قيلهم ذلك: ( كَلا )، ما ذلك كذلك، ولكنه ( رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ). يقول: غلب على قلوبهم وغَمَرها وأحاطت بها الذنوب فغطتها، يقال منه: رانت الخمر على عقله، فهي تَرِين عليه رَيْنا، وذلك إذا سكر، فغلبت على عقله؛ ومنه قول أبي زُبيد الطائي:
ثُــمَّ لَمَّــا رآهُ رَانَــتْ بِـهِ الخَـم
رُ وأن لا تَرِينَـــــهُ باتِّقــــاء (2)
يعني: ترينه بمخافة، يقول: سكر فهو لا ينتبه؛ ومنه قول الراجز:
لـم نَـروَ حـتى هَجَّـرَت وَرِيـنَ بي
وَرِيـنَ بالسَّـاقي الَّـذي أمْسَـى مَعِي (3)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الأثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن القَعْقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا أذنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَة سَوْدَاءُ، فإنْ تابَ صُقِلَ مِنْها، فإنْ عادَ عادَتْ حتى تَعْظُمَ فِي قَلْبِهِ، فذلكَ الرَّانُ الَّذي قَالَ الله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )".
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: ثنا ابن عَجلان، عن القَعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ المُؤْمَنَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فإن تابَ وَنـزعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، فإنْ زَادَ زَادَتْ حتى تَعْلُو قَلْبَهُ، فَذَلكَ الرَّانُ الَّذي قال الله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )".
حدثني عليّ بن سهيل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن عَجْلان، عن القَعقَاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الْعَبْدَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فإنْ تابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ، فإنْ زَادَ زَادَتْ فَذلكَ قَوْلُ اللهِ: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ".
حدثني أبو صالح الضَّراري محمد بن إسماعيل، قال: أخبرني طارق بن عبد العزيز، عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول إلله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الْعَبْدَ إذَا أخْطأَ خَطِيئَةً كَانَتْ نُكْتَةٌ فِي قَلْبِهِ، فإنْ تَاب واسْتَغْفَرَ وَنـزعَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، وَذَلكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللهُ: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: أبو صالح: كذا قال: صقلت، وقال غيره: سَقَلت.
حدثني عليّ بن سهيل الرمليّ، قال: ثنا الوليد، عن خُلَيد، عن الحسن، قال: وقرأ ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: الذنب على الذنب حتى يموت قلبه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: الذنب على الذنب حتى يَعمى القلب فيموت.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: العبد يعمل بالذنوب فتحيط بالقلب، ثم ترتفع، حتى تغشى القلب.
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، قال: أرانا مجاهد بيده، قال: كانوا يرون القلب في مثل هذا يعني: الكفّ، فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى، فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى، حتى ضمّ أصابعه كلها، ثم يطبع عليه بطابع، قال مجاهد: وكانوا يرون أن ذلك الرَّيْن.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: القلب مثل الكفّ، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعا، حتى يقبض أصابعه كلها، وإن أصحابنا يرون أنه الران.
حدثنا أبو كُرَيب مرة أخرى بإسناده عن مجاهد قال: القلب مثل الكفّ، وإذا أذنب انقبض وقبض أصبعه، فإذا أذنب انقبض حتى ينقبض كله، ثم يطبع عليه، فكانوا يرون أن ذلك هو الران ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) قال: الخطايا حتى غمرته.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول: يطبع.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: طبع على قلوبهم ما كسبوا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن طلحة، عن عطاء ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: غشيت على قلوبهم فهوت بها، فلا يفزعون، ولا يتحاشون.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحسن ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: هو الذنب حتى يموت القلب.
قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) قال: الران: الطبع يطبع القلب مثل الراحة، فيذنب الذنب فيصير هكذا، وعقد سفيان الخنصر، ثم يذنب الذنب فيصير هكذا، وقَبض سفيان كفه، فيطبع عليه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أعمال السوء، أي والله ذنب على ذنب، وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسودّ.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) قال: هذا الذنب على الذنب، حتى يَرِين على القلب فيسودّ.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) قال: غلب على قلوبهم ذُنُوبهم، فَلا يخْلُص إليها معها خير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) قال: الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه حتى تغشى الذنوب عليه. قال مجاهد: وهي مثل الآية التي في سورة البقرة بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
القول في تأويل قوله تعالى : كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذّبون بيوم الدين، من أن لهم عند الله زُلْفة، إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون، فلا يرونه، ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: إنهم محجوبون عن كرامته.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن خليد، عن قتادة ( كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) هو لا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا جرير، قال: ثني نمران أبو الحسن الذماري، عن ابن أبي مليكة أنه كان يقول في هذه الآية ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) قال: المنان والمختال والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنهم محجوبون عن رؤية ربهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمار الرازي، قال: ثنا أبو معمر المنقري، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن في قوله: ( كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كلّ يوم غُدْوة وعشية، أو كلاما هذا معناه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون. ويُحتمل أن يكون مرادًا به الحجاب عن كرامته، وأن يكون مرادًا به الحجاب عن ذلك كله، ولا دلالة في الآية تدلّ على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حجته. فالصواب أن يقال: هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته إذ كان الخبر عاما، لا دلالة على خصوصه.