لما كان صلح الحديبية، صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلما، أنه يرد إلى المشركين، وكان هذا لفظا عاما، [مطلقا] يدخل في عمومه النساء والرجال، فأما الرجال فإن الله لم ينه رسوله عن ردهم، إلى المشركين وفاء بالشرط وتتميما للصلح الذي هو من أكبر المصالح، وأما النساء فلما كان ردهن فيه مفاسد كثيرة، أمر الله المؤمنين إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات، وشكوا في صدق إيمانهن، أن يمتحنوهن ويختبروهن، بما يظهر به صدقهن، من أيمان مغلظة وغيرها، فإنه يحتمل أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زوج أو بلد أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية.
فإن كن بهذا الوصف، تعين ردهن وفاء بالشرط، من غير حصول مفسدة، وإن امتحنوهن، فوجدن صادقات، أو علموا ذلك منهن من غير امتحان، فلا يرجعوهن إلى الكفار، { لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } فهذه مفسدة كبيرة في ردهن راعاها الشارع، وراعى أيضا الوفاء بالشرط، بأن يعطوا الكفار أزواجهن ما أنفقوا عليهن من المهر وتوابعه عوضا عنهن، ولا جناح حينئذ على المسلمين أن ينكحوهن ولو كان لهن أزواج في دار الشرك، ولكن بشرط أن يؤتوهن أجورهن من المهر والنفقة، وكما أن المسلمة لا تحل للكافر، فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم أن يمسكها ما دامت على كفرها، غير أهل الكتاب، ولهذا قال تعالى: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } وإذا نهى عن الإمساك بعصمتها فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى، { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ } أيها المؤمنون، حين ترجع زوجاتكم مرتدات إلى الكفار، فإذا كان الكفار يأخذون من المسلمين نفقة من أسلمت من نسائهم، استحق المسلمون أن يأخذوا مقابلة ما ذهب من نسائهم إلى الكفار، وفي هذا دليل على أن خروج البضع من الزوج متقوم، فإذا أفسد مفسد نكاح امرأة رجل، برضاع أو غيره، كان عليه ضمان المهر، وقوله: { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ } أي: ذلكم الحكم الذي ذكره الله وبينه لكم يحكم به بينكم { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فيعلم تعالى، ما يصلح لكم من الأحكام، ويشرع لكم ما تقتضيه الحكمة