تفسير سورة الحجرات الآية 4 تفسير الطبري

تفسير سورة الحجرات الآية 4 بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مدنية وجاء ترتيبها 49 في المصحف الكريم وعدد آياتها 18.

تفسير آيات سورة الحجرات

تفسير إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ 4

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك, والحجرات: جمع حجرة, والثلاث: حُجَر, ثم تجمع الحجر فيقال: حجرات وحُجْرات, وقد تجمع بعض العرب الحجر: حجَرات بفتح الجيم, وكذلك كلّ جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فُعَلٍ يجمعونه على فعَلات بفتح ثانيه, والرفع أفصح وأجود; ومنه قول الشاعر:
أمــا كــانَ عَبَّــادٌ كَفِيئـا لِـدَارِم
بَــلى, وَلأبْيــاتٍ بِهـا الحُجُـرَات (5)
يقول: بلى ولبني هاشم.
وذُكر أن هذه الآية والتي بعدها نـزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو عمار المروزي, والحسن بن الحارث, قالا ثنا الفضل بن موسى, عن الحسين بن واقد, عن أبي إسحاق, عن البرّاء في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: يا محمد إنّ حمدي زين, وإن ذمِّي شين, فقال: " ذَاكَ اللّهُ تَباركَ وتَعَالى ".
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا الحسين, عن أبي إسحاق, عن البراء بمثله, إلا أنه قال: ذاكم الله عزّ وجلّ.
حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيمي, قال: سمعت داود الطُّفاوي يقول: سمعت أبا مسلم البجلي يحدث عن زيد بن أرقم, قال: جاء أناس من العرب إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل, فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به, وإن يكن ملِكا نعش في جناحه; قال: فأتيت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فأخبرته بذلك, قال: ثم جاءوا إلى حجر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فجعلوا ينادونه. يا محمد, فأنـزل الله على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) قال: فأخذ نبيّ الله بأذني فمدّها, فجعل يقول: " قَدْ صَدَّقَ اللّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ, قَدْ صَدَّقَ اللّهُ قَوْلَكَ يا زَيْدُ".
حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي, قال: ثنا عفان, قال: ثنا وُهَيب, قال: ثنا موسى بن عقبة, عن أبي سَلَمة, قال: ثني الأقرع بن حابس التميميّ أنه أتى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فناداه, فقال: يا محمد إن مدحي زين, وإن شتمي شين; فخرج إليه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: وَيْلَكَ ذَلِكَ اللّهُ، فأنـزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ )... الآية.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) : أعراب بني تميم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة " أن رجلا جاء إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فناداه من وراء الحُجَر, فقال: يا محمد إنّ مدحي زين, وإنّ شتمي شَيْن; فخرج إليه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: وَيْلَكَ ذلكَ اللّهُ، فأنـزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ).
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ )... الآية, ذُكر لنا أن رجلا جعل ينادي يا نبيّ الله يا محمد, فخرج إليه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقال: ما شأنُكَ ؟ فقال: والله إنّ حمده لزين, وإنّ ذمَّه لَشَيْن, فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ذَاكُمُ اللّهُ , فأدبر الرجل, وذُكر لنا أن الرجل كان شاعرا.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن حبيب بن أبي عمرة, قال: كان بشر بن غالب ولَبيد بن عُطارد, أو بشر بن عُطارد ولبيد بن غالب, وهما عند الحجاج جالسان, يقول بشر بن غالب للبيد بن عطارد نـزلت في قومك بني تميم ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) فذكرت ذلك لسعيد بن جُبير, فقال: أما إنه لو علم بآخر الآية, أجابه يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قالوا: أسلمنا, ولم يقاتلك بنو أسد.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا مهران, عن المبارك بن فضالة, عن الحسن, قال: " أتى أعرابيّ إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من وراء حجراته, فقال: يا محمد, يا محمد; فخرج إليه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: مالك ؟ مالك؟, فقال: تعلم إنّ مدحي لزين, وإن ذمِّي لشين, فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ذَاكُمُ اللّهُ, فنـزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ) فقرأته قرّاء الأمصار بضمّ الحاء والجيم من الحُجُرات, سوى أبي جعفر القارئ, فإنه قرأ بضم الحاء وفتح الجيم على ما وصفت من جمع الحُجرة حُجَر, ثم جمع الحُجْر: حُجُرات ".
والصواب من القراءة عندنا الضم في الحرفين كليهما لما وصفت قبل.
وقوله ( أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) يقول: أكثرهم جهال بدين الله, واللازم لهم من حقك وتعظيمك.
------------------------
الهوامش:
(5) في كتاب الكامل للمبرد ( طبعة الحلبي 85 ) : يقال : فلان كفاء فلان ، وكفيء فلان ، وكفء فلان ؛ أي : عديله. ويروى أن الفرزدق بلغه أن رجلا من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، فقال الفرزدق :
بَنُــو دَارِمٍ أكْفــاؤُهُمْ آلُ مِسْــمَعٍ
وتنكــح فــي أكفائهـا الحَبِطـاتُ
( آل مسمع بيت بكر بن وائل في الإسلام ، وهم من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة ) قال : فقال رجل من الحبطات : " أما كان عباد كفيئا ... " البيت . يعني بني هاشم ( يريد أبيات بني هاشم ) من قول الله عز وجل : " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات " . والشاهد في البيت قوله " الحجرات " بضم الحاء والجيم ، وهي جمع حجرة ، وتجمع الحجرة وما شابهها على حجرات بضمتين ، وبضم ففتح ، وبضم فسكون . ويرى المؤلف أن الجمع الأول أفصح وأجود . أ هـ .