( قل ما كنت بدعا من الرسل ) أي بديعا ، مثل : نصف ونصيف ، وجمع البدع أبداع ، لست بأول مرسل ، قد بعث قبلي كثير من الأنبياء ، فكيف تنكرون نبوتي . ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) اختلف العلماء في معنى هذه الآية :
فقال بعضهم : معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون ، فقالوا : واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلا واحد ، وما له علينا من مزية وفضل ، ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ، فأنزل الله : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " ، ( الفتح - 2 ) فقالت الصحابة : هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات " الآية ، ( الفتح - 5 ) وأنزل : " وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " ( الأحزاب - 47 ) فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم . وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة ، قالوا : إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه [ وإنما أخبر بغفران ذنبه ] عام الحديبية ، فنسخ ذلك .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، عن خارجة بن زيد قال : كانت أم العلاء الأنصارية تقول : لما قدم المهاجرون المدينة اقترعت الأنصار على سكنتهم ، قالت [ فطار لنا ] عثمان بن مظعون في السكنى ، فمرض فمرضناه ، ثم توفي فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي قد أكرمك الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك أن الله قد أكرمه " ؟ فقلت : لا والله لا أدري ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم " قالت : فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا ، قالت : ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " ذاك عمله " .
وقال جماعة : قوله " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " في الدنيا ، أما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة ، وأن من كذبه فهو في النار ، ثم اختلفوا فيه :
قال ابن عباس - رضي الله عنه - ما : لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم وهو بمكة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له ، يهاجر إليها ، فقال له أصحابه متى تهاجر إلى الأرض التي أريت ؟ فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ، أأترك في مكاني أم أخرج وإياكم إلى الأرض التي رفعت لي ؟ .
وقال بعضهم : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا ، بأن أقيم معكم في مكانكم أم أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ، أم أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي وأنتم أيها المصدقون لا أدري تخرجون معي أم تتركون ، أم ماذا يفعل بكم ، [ وأنتم ] أيها المكذبون ، أترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم ، أم أي شيء يفعل بكم ، مما فعل بالأمم المكذبة ؟ .
ثم أخبر الله - عز وجل - أنه يظهر دينه على الأديان ، فقال : " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " ، ( الصف - 9 ) وقال في أمته : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ( الأنفال - 33 ) ، فأخبر الله ما يصنع به وبأمته ، هذا قول السدي .
( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي ما أتبع إلا القرآن ، ولا أبتدع من عندي شيئا ( وما أنا إلا نذير مبين ) .