تفسير
حم
1
﴿حمٓ﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
أقسم الله بالقرآن الموضح لطريق الهداية إلى الحق.
إنا جعلناه قرآنًا بلسان العرب؛ رجاء أن تعقلوا - يا معشر من نزل بلسانكم - معانيه، وتفهموها لتنقلوها إلى الأمم الأخرى.
وإن هذا القرآن في اللوح المحفوظ لذو علوّ ورفعة، وذو حكمة، قد أحكمت آياته في أوامره ونواهيه.
أفنترك إنزال القرآن عليكم إعراضًا لأجل إكثاركم من الشرك والمعاصي؟ لا نفعل ذلك، بل الرحمة بكم تقتضي عكس هذا.
وكم بعثنا من نبي في الأمم السابقة.
وما يأتي تلك الأمم السابقة من نبي من عند الله إلا كانوا منه يسخرون.
فأهلكنا من هم أشدّ بطشًا من تلك الأمم، فلا نعجز عن إهلاك من هم أضعف منهم، ومضى في القرآن صفة إهلاك الأمم السابقة، مثل عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مَدْين.
ولئن سألت - أيها الرسول - هؤلاء المشركين المكذبين: من خلق السماوات، ومن خلق الأرض؟ ليقولنّ جوابًا لسؤالك: خلقهنّ العزيز الذي لا يغلبه أحد، العليم بكل شيء.
الله الذي مهد لكم الأرض فجعلها لكم وطاءً تطؤونها بأقدامكم، وصيّر لكم فيها طرقًا في جبالها وأوديتها؛ رجاء أن تسترشدوا بها في سيركم.
والذي نزل من السماء ماءً بقدر ما يكفيكم، ويكفي بهائمكم وزروعكم، فأحيينا به بلدة قاحلة لا نبات بها، وكما أحيا الله تلك الأرض القاحلة بالنبات يحييكم للبعث.
والذي خلق الأصناف جميعها، كالليل والنهار، والذكر والأنثى وغيرها، وصيّر لكم من السفن والأنعام ما تركبونه في أسفاركم، فتركبون السفن في البحر، وتركبون أنعامكم في البر.
صيّر لكم ذلك كله؛ رجاء أن تستقروا على ظهور ما تركبون منه في أسفاركم، ثم تذكروا نعمة ربكم بتسخيرها لكم إذا استقررتم على ظهورها، وتقولوا بألسنتكم: تنزّه وتقدّس الذي هيأ وذلل لنا هذا المركوب فصرنا نتحكم فيه، وما كنا له مطيقين لولا تسخير الله له.
وإنا إلى ربنا وحده لراجعون بعد موتنا للحساب والجزاء.
وزعم المشركون أن بعض المخلوقات متولدة عن الخالق سبحانه حين قالوا: الملائكة بنات الله، إن الإنسان الذي يقول مثل هذا القول لكفور بيّن الكفر والضلال.