تفسير
حم
1
(حم * عسق) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
تفسير
عسق
2
(حم * عسق) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
كما أنزل الله إليك -أيها النبي- هذا القرآن أنزل الكتب والصحف على الأنبياء من قبلك، وهو العزيز في انتقامه، الحكيم في أقواله وأفعاله.
لله وحده ما في السماوات وما في الأرض، وهو العليُّ بذاته وقدره وقهره، العظيم الذي له العظمة والكبرياء.
تكاد السماوات يتشقَّقْنَ، كل واحدة فوق التي تليها؛ من عظمة الرحمن وجلاله تبارك وتعالى، والملائكة يسبحون بحمد ربهم، وينزهونه عما لا يليق به، ويسألون ربهم المغفرة لذنوب مَن في الأرض مِن أهل الإيمان به. ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده، الرحيم بهم.
والذين اتخذوا غير الله آلهة مِن دونه يتولَّونها، ويعبدونها، الله تعالى يحفظ عليهم أفعالهم؛ ليجازيهم بها يوم القيامة، وما أنت -أيها الرسول- بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم، إنما أنت منذر، فعليك البلاغ وعلينا الحساب.
وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحَيْنا إليك قرآنا عربيًّا؛ لتنذر أهل "مكة" ومَن حولها مِن سائر الناس، وتنذر عذاب يوم الجمع، وهو يوم القيامة، لا شك في مجيئه. الناس فيه فريقان: فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم فريق في النار المستعرة، وهم الذين كفروا بالله، وخالفوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ولو شاء الله أن يجمع خَلْقَه على الهدى ويجعلهم على ملة واحدة مهتدية لفعل، ولكنه أراد أن يُدخل في رحمته مَن يشاء مِن خواص خلقه. والظالمون أنفسهم بالشرك ما لهم من وليٍّ يتولى أمورهم يوم القيامة، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله تعالى.
بل اتخذ هؤلاء المشركون أولياء من دون الله يتولونهم، فالله وحده هو الوليُّ يتولاه عَبْدُه بالعبادة والطاعة، ويتولَّى عباده المؤمنين بإخراجهم من الظلمات إلى النور وإعانتهم في جميع أمورهم، وهو يحيي الموتى عند البعث، وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء.
وما اختلفتم فيه- أيها الناس- من شيء من أمور دينكم، فالحكم فيه مردُّه إلى الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ذلكم الله ربي وربكم، عليه وحده توكلت في أموري، وإليه أرجع في جميع شؤوني.
الله سبحانه وتعالى هو خالق السماوات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته، جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها، وجعل لكم من الأنعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا، يكثركم بسببه بالتوالد، ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى، وصفاتِه صفات كمال وعظمة، وأفعالَه تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، وهو السميع البصير، لا يخفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالهم شيء، وسيجازيهم على ذلك.
له سبحانه وتعالى ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، يوسِّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيِّقه على مَن يشاء، إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
شرع الله لكم- أيها الناس- من الدِّين الذي أوحيناه إليك -أيها الرسول، وهو الإسلام- ما وصَّى به نوحًا أن يعمله ويبلغه، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى (هؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل على المشهور) أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة الله وعبادته دون مَن سواه، ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتكم به، عَظُمَ على المشركين ما تدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له، الله يصطفي للتوحيد مَن يشاء مِن خلقه، ويوفِّق للعمل بطاعته مَن يرجع إليه.
وما تفرَّق المشركون بالله في أديانهم فصاروا شيعًا وأحزابًا إلا مِن بعد ما جاءهم العلم وقامت الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد، ولولا كلمة سبقت من ربك -أيها الرسول- بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة، لقضي بينهم بتعجيل عذاب الكافرين منهم. وإن الذين أورثوا التوراة والإنجيل من بعد هؤلاء المختلفين في الحق لفي شك من الدين والإيمان موقعٍ في الريبة والاختلاف المذموم.
فإلى ذلك الدين القيِّم الذي شرعه الله للأنبياء ووصَّاهم به، فادع -أيها الرسول- عباد الله، واستقم كما أمرك الله، ولا تتبع أهواء الذين شكُّوا في الحق وانحرفوا عن الدين، وقل: صدَّقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء، وأمرني ربي أن أعدل بينكم في الحكم، الله ربنا وربكم، لنا ثواب أعمالنا الصالحة، ولكم جزاء أعمالكم السيئة، لا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم بعدما تبين الحق، الله يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة، فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه، وإليه المرجع والمآب، فيجازي كلا بما يستحق.