ثم حذر قومه ونصحهم، وخوفهم عذاب الآخرة، ونهاهم عن الاغترار بالملك الظاهر، فقال: { يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } أي: في الدنيا { ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ } على رعيتكم، تنفذون فيهم ما شئتم من التدبير، فهبكم حصل لكم ذلك وتم، ولن يتم، { فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ } أي: عذابه { إِنْ جَاءَنَا } ؟ وهذا من حسن دعوته، حيث جعل الأمر مشتركًا بينه وبينهم بقوله: { فَمَنْ يَنْصُرُنَا } وقوله: { إِنْ جَاءَنَا } ليفهمهم أنه ينصح لهم كما ينصح لنفسه، ويرضى لهم ما يرضى لنفسه.
فـ { قَالَ فِرْعَوْنُ } معارضًا له في ذلك، ومغررًا لقومه أن يتبعوا موسى: { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } وصدق في قوله: { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى } ولكن ما الذي رأى؟
رأى أن يستخف قومه فيتابعوه، ليقيم بهم رياسته، ولم ير الحق معه، بل رأى الحق مع موسى، وجحد به مستيقنًا له.
وكذب في قوله: { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } فإن هذا قلب للحق، فلو أمرهم باتباعه اتباعًا مجردًا على كفره وضلاله، لكان الشر أهون، ولكنه أمرهم باتباعه، وزعم أن في اتباعه اتباع الحق وفي اتباع الحق، اتباع الضلال.