تفسير
الم
1
خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف ، وستة آلاف ومائة وعشرون كلمة ، ومائتان وستة وثمانون آية في عدد الكوفي وعدد علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ذكر ما ورد في فضلها :
قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبيه ، عن معقل بن يسار ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ، واستخرجت : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [ البقرة : 255 ] من تحت العرش ، فوصلت بها ، أو فوصلت بسورة البقرة ، و " يس " : قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ، واقرءوها على موتاكم ، انفرد به أحمد .
وقد رواه أحمد - أيضا - عن عارم ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه ، عن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوها على موتاكم يعني : يس .
فقد بينا بهذا الإسناد معرفة المبهم في الرواية الأولى . وقد أخرج هذا الحديث على هذه الصفة في الرواية الثانية أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .
وقد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير ، وفيه ضعف ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل شيء سنام ، وإن سنام القرآن البقرة ، وفيها آية هي سيدة آي القرآن : آية الكرسي .
وفي مسند أحمد وصحيح مسلم والترمذي والنسائي ، من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، فإن البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثني ابن أبي مريم ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه .
سنان بن سعد ، ويقال بالعكس ، وثقه ابن معين واستنكر حديثه أحمد بن حنبل وغيره .
وقال أبو عبيد : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، يعني ابن مسعود ، قال : إن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع فيه سورة البقرة . ورواه النسائي في اليوم والليلة ، وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث شعبة ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال ، حدثني أبو بكر بن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ، ويدع سورة البقرة يقرؤها ، فإن الشيطان يفر من البيت تقرأ فيه سورة البقرة ، وإن أصفر البيوت ، الجوف الصفر من كتاب الله .
وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة ، عن محمد بن نصر ، عن أيوب بن سليمان ، به .
وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال : ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط . وقال : إن لكل شيء سناما ، وإن سنام القرآن سورة البقرة ، وإن لكل شيء لبابا ، وإن لباب القرآن المفصل . وروى - أيضا - من طريق الشعبي قال : قال عبد الله بن مسعود : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة ، أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث آيات من آخرها وفي رواية : لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ولا يقرآن على مجنون إلا أفاق .
وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لكل شيء سناما ، وإن سنام القرآن البقرة ، من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ، ومن قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام .
رواه أبو القاسم الطبراني ، وأبو حاتم ، وابن حبان في صحيحه .
وقد روى الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث عبد الحميد بن جعفر ، عن سعيد المقبري ، عن عطاء مولى أبي أحمد ، عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد ، فاستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم ، يعني ما معه من القرآن ، فأتى على رجل من أحدثهم سنا ، فقال : ما معك يا فلان ؟ قال : معي كذا وكذا وسورة البقرة ، فقال : أمعك سورة البقرة ؟ قال : نعم . قال : اذهب فأنت أميرهم فقال رجل من أشرافهم : والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا أني خشيت ألا أقوم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموا القرآن واقرءوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ، ومثل من تعلمه ، فيرقد وهو في جوفه ، كمثل جراب أوكي على مسك .
هذا لفظ رواية الترمذي ، ثم قال : هذا حديث حسن . ثم رواه من حديث الليث ، عن سعيد ، عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلا فالله أعلم .
قال البخاري : وقال الليث : حدثني يزيد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أسيد بن حضير قال : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ، وفرسه مربوطة عنده ، إذ جالت الفرس ، فسكت ، فسكنت ، فقرأ فجالت الفرس ، فسكت ، فسكنت ، ثم قرأ فجالت الفرس ، فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها . فأشفق أن تصيبه ، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأ يا ابن حضير . قال : فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى ، وكان منها قريبا ، فرفعت رأسي وانصرفت إليه ، فرفعت رأسي إلى السماء ، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها ، قال : وتدري ما ذاك ؟ . قال : لا . قال : تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم .
وهكذا رواه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام ، في كتاب فضائل القرآن ، عن عبد الله بن صالح ، ويحيى بن بكير ، عن الليث به .
وقد روي من وجه آخر عن أسيد بن حضير ، كما تقدم ، والله أعلم .
وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - وذلك فيما رواه أبو عبيد [ القاسم ] : حدثنا عباد بن عباد ، عن جرير بن حازم ، عن جرير بن يزيد : أن أشياخ أهل المدينة حدثوه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل له : ألم تر ثابت بن قيس بن شماس ؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح ، قال : فلعله قرأ سورة البقرة . قال : فسئل ثابت ، فقال : قرأت سورة البقرة .
وهذا إسناد جيد ، إلا أن فيه إبهاما ، ثم هو مرسل ، والله أعلم .
[ ذكر ] ما ورد في فضلها مع آل عمران
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : تعلموا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة . قال : ثم سكت ساعة ، ثم قال : تعلموا سورة البقرة ، وآل عمران ، فإنهما الزهراوان ، يظلان صاحبهما يوم القيامة ، كأنهما غمامتان أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف ، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب ، فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : ما أعرفك . فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر ، وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وإنك اليوم من وراء كل تجارة . فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويكسى والداه حلتين ، لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال : اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها ، فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا .
وروى ابن ماجه من حديث بشير بن المهاجر بعضه ، وهذا إسناد حسن على شرط مسلم ، فإن بشيرا هذا أخرج له مسلم ، ووثقه ابن معين ، وقال النسائي : ليس به بأس ، إلا أن الإمام أحمد قال فيه : هو منكر الحديث ، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تجيء بالعجب . وقال البخاري : يخالف في بعض حديثه . وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال ابن عدي : روى ما لا يتابع عليه . وقال الدارقطني : ليس بالقوي .
قلت : ولكن لبعضه شواهد ؛ فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي ؛ قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اقرءوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة ، اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران ، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو كأنهما غيايتان ، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أهلهما ثم قال : اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة .
وقد رواه مسلم في الصلاة من حديث معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام ، عن جده أبي سلام ممطور الحبشي ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان [ الباهلي ] ، به .
الزهراوان : المنيران ، والغياية : ما أظلك من فوقك . والفرق : القطعة من الشيء ، والصواف : المصطفة المتضامة . والبطلة السحرة ، ومعنى لا تستطيعها أي : لا يمكنهم حفظها ، وقيل : لا تستطيع النفوذ في قارئها ، والله أعلم .
ومن ذلك حديث النواس بن سمعان . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، عن جبير بن نفير ، قال : سمعت النواس بن سمعان الكلابي ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران . وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد ، قال : كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما .
ورواه مسلم ، عن إسحاق بن منصور ، عن يزيد بن عبد ربه ، به .
والترمذي ، من حديث الوليد بن عبد الرحمن الجرشي ، به . وقال : حسن غريب .
وقال أبو عبيد : حدثنا حجاج ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : قال حماد : أحسبه عن أبي منيب ، عن عمه ؛ أن رجلا قرأ البقرة وآل عمران ، فلما قضى صلاته قال له كعب : أقرأت البقرة وآل عمران ؟ قال : نعم . قال : فوالذي نفسي بيده ، إن فيهما اسم الله الذي إذا دعي به استجاب . قال : فأخبرني به . قال : لا والله لا أخبرك ، ولو أخبرتك لأوشكت أن تدعوه بدعوة أهلك فيها أنا وأنت .
[ قال أبو عبيد ] : وحدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن سليم بن عامر : أنه سمع أبا أمامة يقول : إن أخا لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وعر طويل ، وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان تهتفان : هل فيكم من يقرأ سورة البقرة ؟ وهل فيكم من يقرأ سورة آل عمران ؟ قال : فإذا قال الرجل : نعم . دنتا منه بأعذاقهما ، حتى يتعلق بهما فتخطران به الجبل .
[ قال أبو عبيد ] وحدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي عمران : أنه سمع أم الدرداء تقول : إن رجلا ممن قرأ القرآن أغار على جار له ، فقتله ، وإنه أقيد به ، فقتل ، فما زال القرآن ينسل منه سورة سورة ، حتى بقيت البقرة وآل عمران جمعة ، ثم إن آل عمران انسلت منه ، وأقامت البقرة جمعة ، فقيل لها : ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) [ ق : 29 ] قال : فخرجت كأنها السحابة العظيمة .
قال أبو عبيد : أراه ، يعني : أنهما كانتا معه في قبره تدفعان عنه وتؤنسانه ، فكانتا من آخر ما بقي معه من القرآن .
وقال أيضا : حدثنا أبو مسهر الغساني ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يحدث : أنه من قرأ البقرة وآل عمران في يوم ، برئ من النفاق حتى يمسي ، ومن قرأهما من ليلة برئ من النفاق حتى يصبح ، قال : فكان يقرؤهما كل يوم وليلة سوى جزئه .
[ قال أيضا : ] وحدثنا يزيد ، عن ورقاء بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان - أو كتب - من القانتين .
فيه انقطاع ، ولكن ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعة واحدة .
[ ذكر ] ما ورد في فضل السبع الطول
قال أبو عبيد : حدثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي ، عن محمد بن شعيب ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة بن الأسقع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : أعطيت السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل .
هذا حديث غريب ، وسعيد بن بشير ، فيه لين .
وقد رواه أبو عبيد [ أيضا ] ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن سعيد بن أبي هلال ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره ، والله أعلم . ثم قال حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن حبيب بن هند الأسلمي ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أخذ السبع فهو حبر .
وهذا أيضا غريب ، وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي ، روى عنه عمرو بن أبي عمرو وعبد الله بن أبي بكرة ، وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحا ، فالله أعلم .
وقد رواه الإمام أحمد ، عن سليمان بن داود ، وحسين ، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر ، به .
ورواه - أيضا - عن أبي سعيد ، عن سليمان بن بلال ، عن حبيب بن هند ، عن عروة ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر .
قال أحمد : وحدثنا حسين ، حدثنا ابن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
قال عبد الله بن أحمد : وهذا أرى فيه ، عن أبيه ، عن الأعرج ، ولكن كذا كان في الكتاب بلا " أبي " ، أغفله أبي ، أو كذا هو مرسل ، ثم قال أبو عبيد : حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، قال : هي السبع الطول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس . قال : وقال مجاهد : هي السبع الطول . وهكذا قال مكحول ، وعطية بن قيس ، وأبو محمد الفارسي ، وشداد بن عبيد الله ، ويحيى بن الحارث الذماري في تفسير الآية بذلك ، وفي تعدادها ، وأن يونس هي السابعة .
[ فصل ]
والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف ، قال بعض العلماء : وهي مشتملة على ألف خبر ، وألف أمر ، وألف نهي .
وقال العادون : آياتها مائتان وثمانون وسبع آيات ، وكلماتها ستة آلاف كلمة ومائة وإحدى وعشرون كلمة ، وحروفها خمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف ، فالله أعلم .
قال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنزل بالمدينة سورة البقرة .
وقال خصيف : عن مجاهد ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : أنزل بالمدينة سورة البقرة .
وقال الواقدي : حدثني الضحاك بن عثمان ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، قال : نزلت البقرة بالمدينة .
وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء ، والمفسرين ، ولا خلاف فيه .
وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا الحسن بن علي بن الوليد [ الفارسي ] حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا عبيس بن ميمون ، عن موسى بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا : سورة البقرة ، ولا سورة آل عمران ، ولا سورة النساء ، وكذا القرآن كله ، ولكن قولوا : السورة التي يذكر فيها البقرة ، والتي يذكر فيها آل عمران ، وكذا القرآن كله .
هذا حديث غريب لا يصح رفعه ، وعيسى بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص ، وهو ضعيف الرواية ، لا يحتج به . وقد ثبت في الصحيحين ، عن ابن مسعود : أنه رمى الجمرة من بطن الوادي ، فجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، ثم قال : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة . أخرجاه .
وروى ابن مردويه ، من حديث شعبة ، عن عقيل بن طلحة ، عن عتبة بن فرقد قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخرا ، فقال : يا أصحاب سورة البقرة . وأظن هذا كان يوم حنين ، حين ولوا مدبرين ، أمر العباس فناداهم : يا أصحاب الشجرة ، يعني أهل بيعة الرضوان . وفي رواية : يا أصحاب البقرة ، لينشطهم بذلك ، فجعلوا يقبلون من كل وجه . وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة ، جعل الصحابة يفرون لكثافة حشر بني حنيفة ، فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون : يا أصحاب سورة البقرة ، حتى فتح الله عليهم . رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين .
( بسم الله الرحمن الرحيم . الم )
قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور ، فمنهم من قال : هي مما استأثر الله بعلمه ، فردوا علمها إلى الله ، ولم يفسروها [ حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - به ، وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خثيم ، واختاره أبو حاتم بن حبان ] .
ومنهم من فسرها ، واختلف هؤلاء في معناها ، فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنما هي أسماء السور [ قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره : وعليه إطباق الأكثر ، ونقله عن سيبويه أنه نص عليه ] ، ويعتضد هذا بما ورد في الصحيحين ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة : " الم السجدة " ، وهل أتى على الإنسان .
وقال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنه قال : " الم " ، و " حم " ، و " المص " ، و " ص " ، فواتح افتتح الله بها القرآن .
وكذا قال غيره : عن مجاهد . وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عنه ، أنه قال : " الم " ، اسم من أسماء القرآن .
وهكذا قال قتادة ، وزيد بن أسلم ، ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد : أنه اسم من أسماء السور ، فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن ، فإنه يبعد أن يكون " المص " اسما للقرآن كله ؛ لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول : قرأت " المص " ، إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف ، لا لمجموع القرآن . والله أعلم .
وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى . فقال الشعبي : فواتح السور من أسماء الله تعالى ، وكذلك قال سالم بن عبد الله ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، وقال شعبة عن السدي : بلغني أن ابن عباس قال : " الم " اسم من أسماء الله الأعظم . هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة .
ورواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن شعبة ، قال : سألت السدي عن " حم " و " طس " و " الم " ، فقال : قال ابن عباس : هي اسم الله الأعظم .
وقال ابن جرير : وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو النعمان ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل السدي ، عن مرة الهمداني قال : قال عبد الله ، فذكر نحوه [ وحكي مثله عن علي وابن عباس ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله تعالى .
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة أنه قال : " الم " ، قسم .
ورويا - أيضا - من حديث شريك بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس : " الم " ، قال : أنا الله أعلم .
وكذا قال سعيد بن جبير ، وقال السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود . وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " الم " . قال : أما " الم " فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : ( الم ) قال : هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ، ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلائه ، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم . قال عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وعجب ، فقال : وأعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه ، فكيف يكفرون به ؛ فالألف مفتاح اسم الله ، واللام مفتاح اسمه " لطيف " والميم مفتاح اسمه " مجيد " فالألف آلاء الله ، واللام لطف الله ، والميم مجد الله ، والألف سنة ، واللام ثلاثون سنة ، والميم أربعون [ سنة ] . هذا لفظ ابن أبي حاتم . ونحوه رواه ابن جرير ، ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها ، وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر ، وأن الجمع ممكن ، فهي أسماء السور ، ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور ، فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته ، كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه . قال : ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله ، وعلى صفة من صفاته ، وعلى مدة وغير ذلك ، كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية ؛ لأن الكلمة الواحدة تطلق على معان كثيرة ، كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين ، كقوله تعالى : (إنا وجدنا آباءنا على أمة ) [ الزخرف : 22 ، 23 ] . وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله ، كقوله : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ) [ النحل : 120 ] وتطلق ويراد بها الجماعة ، كقوله : ( وجد عليه أمة من الناس يسقون ) [ القصص : 23 ] ، وقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ) [ النحل : 36 ] وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله : ( وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ) [ يوسف : 45 ] أي : بعد حين على أصح القولين ، قال : فكذلك هذا .
هذا حاصل كلامه موجها ، ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية ، فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا ، وعلى هذا ، وعلى هذا معا ، ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح ، إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام ، فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ، ليس هذا موضع البحث فيها ، والله أعلم ؛ ثم إن لفظ الأمة تدل على كل معانيه في سياق الكلام بدلالة الوضع ، فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره ، فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف ، والمسألة مختلف فيها ، وليس فيها إجماع حتى يحكم به .
وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة ، فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا ، كما قال الشاعر :
قلنا قفي لنا فقالت قاف لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف
تعني : وقفت . وقال الآخر :
ما للظليم عال كيف لا يا ينقد عنه جلده إذا يا
قال ابن جرير : كأنه أراد أن يقول : إذا يفعل كذا وكذا ، فاكتفى بالياء من يفعل ، وقال الآخر :
بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا
يقول : وإن شرا فشر ، ولا أريد الشر إلا أن تشاء ، فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ، ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام ، والله أعلم .
[ قال القرطبي : وفي الحديث : من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة الحديث . قال شقيق : هو أن يقول في اقتل : إق ] .
وقال خصيف ، عن مجاهد ، أنه قال : فواتح السور كلها " ق " و " ص " و " حم " و " طسم " و " الر " وغير ذلك هجاء موضوع . وقال بعض أهل العربية : هي حروف من حروف المعجم ، استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها ، التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا ، كما يقول القائل : ابني يكتب في : ا ب ت ث ، أي : في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها . حكاه ابن جرير .
قلت : مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا ، وهي : ا ل م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن ، يجمعها قولك : نص حكيم قاطع له سر . وهي نصف الحروف عددا ، والمذكور منها أشرف من المتروك ، وبيان ذلك من صناعة التصريف .
[ قال الزمخشري : وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ، ومن الرخوة والشديدة ، ومن المطبقة والمفتوحة ، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة . وقد سردها مفصلة ثم قال : فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته ، وهذه الأجناس المعدودة ثلاثون بالمذكورة منها ، وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ] .
ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاما ، فقال : لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ؛ ومن قال من الجهلة : إنه في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية ، فقد أخطأ خطأ كبيرا ، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر ، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به ، وإلا وقفنا حيث وقفنا ، وقلنا : ( آمنا به كل من عند ربنا ) [ آل عمران : 7 ] .
ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين ، وإنما اختلفوا ، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه ، وإلا فالوقف حتى يتبين . هذا مقام .
المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ، ما هي ؟ مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها . فقال بعضهم : إنما ذكرت لنعرف بها أوائل السور . حكاه ابن جرير ، وهذا ضعيف ؛ لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه ، وفيما ذكرت فيه بالبسملة تلاوة وكتابة .
وقال آخرون : بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين - إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن - حتى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلف منه . حكاه ابن جرير - أيضا - ، وهو ضعيف أيضا ؛ لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها ، بل غالبها ليس كذلك ، ولو كان كذلك - أيضا - لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم ، سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك . ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين ، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه .
وقال آخرون : بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه [ تركب ] من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها .
ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء ، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ، ولهذا يقول تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ البقرة : 1 ، 2 ] . ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ) [ آل عمران : 1 - 3 ] . المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ) [ الأعراف : 1 ، 2 ] . الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ) [ إبراهيم : 1 ] ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) [ السجدة : 1 ، 2 ] . ( حم تنزيل من الرحمن الرحيم ) [ فصلت : 1 ، 2 ] . ( حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ) [ الشورى : 1 - 3 ] ، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر ، والله أعلم .
وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد ، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم ، فقد ادعى ما ليس له ، وطار في غير مطاره ، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته . وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار ، صاحب المغازي ، حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، قال : مر أبو ياسر بن أخطب ، في رجال من يهود ، برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ هدى للمتقين ) [ البقرة : 1 ، 2 ] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود ، فقال : تعلمون - والله - لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله عليه : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) فقال : أنت سمعته ؟ قال : نعم . قال : فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقالوا : يا محمد ، ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك : ( الم ذلك الكتاب لا [ ريب ] ) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى . فقالوا : جاءك بهذا جبريل من عند الله ؟ فقال : نعم . قالوا : لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك . فقام حيي بن أخطب ، وأقبل على من كان معه ، فقال لهم : الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، أفتدخلون في دين نبي ، إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، هل مع هذا غيره ؟ فقال : نعم ، قال : ما ذاك ؟ قال : " المص " ، قال : هذا أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد سبعون ، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة . هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال : نعم قال : ما ذاك ؟ قال : " الر " . قال : هذا أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان . فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة . فهل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال : نعم ، قال : ماذا ؟ قال : " المر " . قال : فهذه أثقل وأطول ، الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مائتان ، فهذه إحدى وسبعون ومائتان ، ثم قال : لقد لبس علينا أمرك يا محمد ، حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا . ثم قال : قوموا عنه . ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ، ولمن معه من الأحبار : ما يدريكم ؟ لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان ، فذلك سبعمائة وأربع سنين . فقالوا : لقد تشابه علينا أمره ، فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) [ آل عمران : 7 ] .
فهذا مداره على محمد بن السائب الكلبي ، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها ، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة ، وإن حسبت مع التكرر فأتم وأعظم والله أعلم .