تفسير سورة الحجر الآية 15 تفسير الطبري

تفسير سورة الحجر الآية 15 بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 15 في المصحف الكريم وعدد آياتها 99.

تفسير آيات سورة الحجر

تفسير لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ 15

وقوله ( لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) يقول: لقال هؤلاء المشركون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم: ما هذا بحقّ إنما سكِّرت أبصارنا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( سُكِّرَتْ ) فقرأ أهل المدينة والعراق: ( سُكِّرَتْ ) بتشديد الكاف، بمعنى: غُشيت وغطيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لي عنه. وذُكر عن مجاهد أنه كان يقرأ ( لَقالُوا إنَّمَا سُكِرَتْ ).
حدثني بذلك الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدّث عن حمزة، عن شبل، عن مجاهد أنه قرأها( سُكِرَتْ أَبْصارُنا ) خفيفة ، وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك إلى: حُبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح، وذلك سكونها وركودها، يقال منه: سكرت الريح: إذا سكنت وركدت. وقد حُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: هو مأخوذ من سكر الشراب، وأن معناه: قد غشَّى أبصارنا السكر.
وأما أهل التأويل ، فإنهم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ( سُكِّرَتْ ) : سدّت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) قال: سدّت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج، يعني ابن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن كثير قال: سدّت.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) يعني: سدّت ، فكأن مجاهدا ذهب في قوله ، وتأويله ذلك بمعنى: سدّت، إلى أنه بمعنى: منعت النظر، كما يُسكر الماء فيمنع من الجري بحبسه في مكان بالسكر الذي يسَّكر به.
وقال آخرون: معنى سكرت: أخذت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن ابن عباس ( لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) يقول: أخذت أبصارنا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، إنما أخذ أبصارنا، وشبَّه علينا، وإنما سحرنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة ( لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) يقول: سُحرت أبصارنا، يقول: أخذت أبصارنا.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا شيبان، عن قتادة، قال: من قرأ ( سُكِّرَتْ ) مشددة: يعني سدّت ، ومن قرأ ( سُكرَتْ ) مخففة، فإنه يعني سحرت ، وكأن هؤلاء وجَّهوا معنى قوله ( سُكِّرَتْ ) إلى أن أبصارهم سُحرت، فشبه عليهم ما يبصرون، فلا يميزون بين الصحيح مما يرون وغيره من قول العرب: سُكِّر على فلان رأيه: إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد ، فلم يدر الصواب فيه من غيره، فإذا عزم على الرأي قالوا: ذهب عنه التسكير.
وقال آخرون: هو مأخوذ من السكر، ومعناه: غشي على أبصارنا فلا نبصر، كما يفعل السكر بصاحبه، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلم يبصر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) قال: سكرت، السكران الذي لا يعقل.
وقال آخرون: معنى ذلك: عميت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الكلبي ( سُكِّرَتْ ) قال: عميت.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: أخذت أبصارنا وسحرت، فلا تبصر الشيء على ما هو به، وذهب حدّ إبصارها ، وانطفأ نوره، كما يقال للشيء الحارّ إذا ذهبت فورته ، وسكن حدّ حرّه ، قد سكر يسكر ، قال المثنى بن جندل الطُّهوي:
جــاءَ الشِّــتاءُ واجْثَــألَّ القُــبَّرُ
واسـتَخْفَتِ الأفْعَـى وكـانت تَظْهَـرُ
وجَعَلَتْ عينُ الحَرُور تَسْكُرُ (7)
أي تسكن وتذهب وتنطفئ ، وقال ذو الرّمَّة:
قَبْــلَ انْصِــداعِ الفَجْـرِ والتَّهَجْـرِ
وخَــوْضُهُنَّ اللَّيــلَ حـينَ يَسْـكُرُ (8)
يعني: حين تسكن فورته. وذُكر عن قيس أنها تقول: سكرت الريح تسكر سكورا، بمعنى: سكنت ، وإن كان ذلك عنها صحيحا، فإن معنى سُكِرَت وسُكِّرَتْ بالتخفيف والتشديد متقاربان، غير أن القراءة التي لا أستجيز غيرها في القرآن ( سُكِّرَتْ ) بالتشديد لإجماع الحجة من القراء عليها، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مجمعة عليه.
------------------------
الهوامش:
(7) هذه ثلاثة أبيات لجندل بن المثنى الطهوي ، واجثأل : اجتمع وتقبض ، والقبر كالقنبر : ضرب من الطير كالعصافير ، واحده قبرة وقنبرة ، والحرور : الحر . ويقال سكرت عينه تسكر : إذا تحيرت وسكنت عن النظر وسكر الحر يسكر : سكن وخبأ ، وقد استشهد بها أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 337 ، 338 ) عند قوله تعالى " سكرت أبصارنا " قال : أي غشيت سمادير ، فذهبت وخبا نظرها ، قال : جاء الشتاء ، الخ وزاد فيها بيتا قبل الآخر ، وهو : " وطلعت شمس عليها مغفر " . وفسر البيت الأخير وهو الشاهد بقوله : أي يذهب حرها ويخبو . وقال أبو عمرو بن العلاء : " سكرت أبصارنا " : مأخوذ عن سكر الشراب ، كأن العين لحقها ما يلحق شارب المسكر إذا سكر ، وقال الفراء ، معناه : حبست ومنعت عن النظر .
(8) البيت في ديوان ذي الرمة ( طبعة كيمبردج سنة 1919 ) ص 202 وقبله :
أتَتْــكَ بــالقَوْمِ مَهــارٍ ضُمَّــرُ
خُــوصٌ بَــرَى أشْـرافَها التَّبَكُّـرُ
خوص : غائرات العيون ، وأشرافها : أسنمَها ، والتبكر : سير البكرة ، والتهجو : سير الهاجرة ، ويسكر : يتسكر الأبصار بظلامه ، قوله : والتهجر ، بالرفع : معطوف على قوله التبكر ، في البيت السابق عليه .