مكية
( إذا الشمس كورت ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سهل السرخسي إملاء أخبرنا أبو الوفاء المؤمل بن الحسن بن عيسى الماسرجسي ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا إبراهيم بن خالد ، حدثنا عبد الله بن بحير القاضي قال سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني قال سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب أن ينظر في أحوال القيامة فليقرأ : ( إذا الشمس كورت )
قوله - عز وجل - ( إذا الشمس كورت ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أظلمت ، وقال قتادة ومقاتل والكلبي : ذهب ضوءها . وقال سعيد بن جبير : غورت . وقال مجاهد : اضمحلت . وقال الزجاج : لفت كما تلف العمامة ، يقال : كورت العمامة على رأسي ، أكورها كورا وكورتها تكويرا ، إذا لففتها وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض ، فمعناه : أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف ، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها .
قال ابن عباس : يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم [ القيامة ] في البحر ، ثم يبعث عليها ريحا دبورا فتضربها فتصير نارا .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، حدثنا عبد الله الداناج ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الشمس والقمر يكوران يوم القيامة " .
"وإذا النجوم انكدرت"، أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض، يقال: انكدر الطائر أي سقط عن عشه، قال الكلبي وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجوماً فلا يبقى نجم إلا وقع.
"وإذا الجبال سيرت"، قلعت عن وجه الأرض فصارت هباءً منثوراً.
( وإذا العشار عطلت ) وهي النوق الحوامل التي أتى على حملها عشرة أشهر ، واحدتها عشراء ، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة ، وهي أنفس مال عند العرب ، " عطلت " تركت [ مهملة ] بلا راع أهملها أهلها ، وكانوا لازمين لأذنابها ، ولم يكن لهم مال أعجب إليهم منها ، لما جاءهم من أهوال يوم القيامة .
( وإذا الوحوش ) يعني دواب البر ( حشرت ) جمعت بعد البعث ليقتص لبعضها من بعض وروى عكرمة عن ابن عباس قال : حشرها : موتها . وقال : حشر كل شيء الموت ، غير الجن والإنس ، فإنهما يوقفان يوم القيامة . وقال أبي بن كعب : اختلطت .
( وإذا البحار سجرت ) قرأ أهل مكة والبصرة بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتشديد ، قال ابن عباس : أوقدت فصارت نارا تضطرم ، وقال مجاهد ومقاتل : يعني فجر بعضها في بعض ، العذب والملح ، فصارت البحور كلها بحرا واحدا . وقال الكلبي : ملئت ، وهذا أيضا معناه : " والبحر المسجور " ( الطور - 6 ) والمسجور : المملوء ، وقيل : صارت مياهها بحرا واحدا من الحميم لأهل النار . وقال الحسن : يبست ، وهو قول قتادة ، قال : ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة .
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب ، قال ست آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، [ فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ] فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ، وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، وماج بعضهم في بعض ، فذلك قوله : ( وإذا الوحوش حشرت ) [ اختلطت ] ( وإذا العشار عطلت وإذا البحار سجرت ) قال : قالت الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر : فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، قال : فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى [ وانشقت السماء إنشقاقة واحدة وإلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم .
وعن ابن عباس أيضا قال : هي اثنتا عشرة خصلة ، ستة في الدنيا وستة في الآخرة ، وهي ما ذكره بقوله - عز وجل - : ( وإذا النفوس زوجت ) وروى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار وهذا [ معنى ] قول عكرمة .
وقال الحسن وقتادة : ألحق كل امرئ بشيعته ، اليهودي باليهودي والنصراني بالنصراني .
قال الربيع بن خثيم : يحشر الرجل مع صاحب عمله . وقيل : زوجت النفوس بأعمالها .
وقال عطاء ومقاتل : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين .
وروي عن عكرمة قال : وإذا النفوس زوجت ردت الأرواح في الأجساد .
( وإذا الموءودة سئلت ) وهي الجارية المدفونة حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيئدها ، أي يثقلها حتى تموت ، وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة ، يقال : [ أود هذا ليس بصحيح من حيث البناء لأن الموءودة من الوأد لا من الأود يقال ] وأد يئد وأدا ، فهو وائد ، والمفعول موءود .
روى عكرمة عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وكان أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت غلاما حبسته .
( بأي ذنب قتلت ) قرأ العامة على الفعل المجهول فيهما ، وأبو جعفر يقرأ : " قتلت " بالتشديد ومعناه تسأل الموءودة ، فيقال لها : بأي ذنب قتلت ؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها ، لأنها تقول : قتلت بغير ذنب .
وروي أن جابر بن زيد كان يقرأ : وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ومثله قرأ أبو الضحى .
( وإذا الصحف نشرت ) قرأ أهل المدينة والشام وعاصم ويعقوب : " نشرت " بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، كقوله : " يؤتى صحفا منشرة " ( المدثر - 52 ) يعني صحائف الأعمال تنتشر للحساب .
"وإذا السماء كشطت"، قال الفراء: نزعت فطويت. وقال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف. وقال مقاتل: تكشف عمن فيها. ومعنى الكشط رفعك شيئاً عن شيء قد غطاه، كما يكشط الجلد عن السنام.
"وإذا الجحيم سعرت"، قرأ أهل المدينة والشام، وحفص عن عاصم: "سعرت" بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف أي: أوقدت لأعداء الله.
"وإذا الجنة أزلفت"، قربت لأولياء الله.
"علمت"، عند ذلك "نفس" أي: كل نفس "ما أحضرت"، من خير أو شر، وهذا جواب لقوله: "إذا الشمس كورت" وما بعدها.
قوله عز وجل: "فلا أقسم بالخنس"، لا زائدة، معناه: أقسم بالخنس.