تفسير سورة عبس تفسير الطبري

تفسير سورة عبس بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 80 في المصحف الكريم وعدد آياتها 42.

تفسير آيات سورة عبس

تفسير عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ 1

القول في تأويل قوله تعالى : عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
يعني تعالى ذكره بقوله: ( عَبَسَ ) قبض وجهه تكرّها، ( وَتَوَلى ) يقول: وأعرض ( أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) يقول: لأن جاءه الأعمى. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدها من ( أنْ جاءَهُ ) فيقول: ( آنْ جاءَهُ ) ، وكأنّ معنى الكلام كان عنده: أأن جاءه الأعمى؟ عبس وتولى، كما قرأ من قرأ: ( آنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ) بمدّ الألف من " أن " وقصرها.
وذُكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية، هو ابن أمّ مكتوم، عوتب النبيّ صلى الله عليه وسلم بسببه.
* ذكر الأخبار الواردة بذلك
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنا أبي، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عروة، عن عائشة قالت: أنـزلت ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) في ابن أمّ مكتوم قالت: أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الآخر ويقول: " أتَرَى بِما أقُولُهُ بأسًا؟ فيقول: لا ففي هذا أُنـزلت: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) .
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، &; 24-218 &; وكان يتصدّى لهم كثيرا، ويَعرض عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، علمني مما علَّمك الله، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبس في وجهه وتوّلى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين؛ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنـزل الله: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) ، فلما نـزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّمه، وقال له: " ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيءٍ؟" وإذا ذهب من عنده قال له: " هَلْ لكَ حاجَةٌ فِي شَيْء؟" وذلك لما أنـزل الله: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن هشام، عن أبيه، قال: نـزلت في ابن أمّ مكتوم ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) .

تفسير أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ 2

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال: رجل من بني فهر، يقال له: ابن أمّ مكتوم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) عبد الله بن زائدة، وهو ابن أمّ مكتوم، وجاءه يستقرئه، وهو يناجي أُميَّة بن خلف، رجل من عِلْية قريش، فأعرض عنه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فأنـزل الله فيه ما تسمعون: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) إلى قوله: فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرّتين على المدينة في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء، وعليه درع له .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيَّ بن خَلَف، فأعرض عنه، فأنـزل الله عليه: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يُكرمه قال أنس: فرأيته يوم القادسية عليه درع، ومعه راية سوداء .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) تصدّى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال، ورجا أن يؤمن، وجاء رجل من الأنصار أعمى يقال له: عبد الله بن أمّ مكتوم، فجعل يسأل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فكرهه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه، وأقبل على الغنيّ، فوعظ الله نبيه، فأكرمه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين غزاهما .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى ) قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يبصر، وهو لا يبصر، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يكفّ، وابن أمّ مكتوم يدفعه ولا يُبصر؛ قال: حتى عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك، فقال: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ... إلى قوله: فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى قال ابن زيد: كان يقال: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَتَمَ من الوحي شيئا، كتم هذا عن نفسه، قال: وكان يتصدّى لهذا الشريف في جاهليته رجاء أن يسلم، وكان عن هذا يتلَّهى .

تفسير وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ 3

وقوله: ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا محمد لعلّ هذا الأعمى الذي عَبَست في وجهه يَزَّكَّى: يقول: يتطهَّر من ذنوبه.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) يسلم.

تفسير أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَىٰ 4

وقوله: ( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ) يقول: أو يتذكَّر فتنفعه الذكرى: يعني: يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ، والقراءة على رفع: ( فتَنْفَعهُ ) عطفا به على قوله: ( يَذَّكَّرُ ) ، وقد رُوي عن عاصم النصب فيه والرفع، والنصب على أن تجعله جوابا بالفاء للعلّ، كما قال الشاعر:
عَــلَّ صُـرُوفَ الدَّهْـرِ أوْ دُوْلاتِهـا
يُدِلْنَنـــا اللَّمَّــةَ مِــنْ لمَّاتِهــا
فَتَسْــتَرِيحُ النَّفْسُ مِــنْ زَفْراتهــا
وتُنْقَـــعُ الغُلَّــةُ مِــن غُلاتِهــا (1)
" وتنقع " يُروى بالرفع والنصب.
-----------------
الهوامش :
(1) هذه أربعة أبيات من مشطور الرجز ، قد سبق الاستشهاد بالثلاثة الأولى في الجزء ( 2 : 74 )

تفسير أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ 5

القول في تأويل قوله تعالى : أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أما من استغنى بماله فأنت له تتعرّض رجاء أن يُسلِم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) قال: نـزلت في العباس.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ) قال عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة .

تفسير فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّىٰ 6

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أما من استغنى بماله فأنت له تتعرّض رجاء أن يُسلِم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) قال: نـزلت في العباس.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ) قال عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة .

تفسير وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ 7

( وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ) يقول: وأي شيء عليك أن لا يتطهَّر من كفره فيُسلم؟.

تفسير وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَىٰ 8

( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى ) يقول: وأما هذا الأعمى الذي جاءك سعيا، وهو يخشى الله ويتقيه.

تفسير وَهُوَ يَخْشَىٰ 9

( وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى ) يقول: وأما هذا الأعمى الذي جاءك سعيا، وهو يخشى الله ويتقيه.

تفسير فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ 10

( فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) يقول: فأنت عنه تعرض، وتشاغل عنه بغيره وتغافل.

تفسير كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ 11

القول في تأويل قوله تعالى : كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
يقول تعالى ذكره: ( كَلا ) ما الأمر كما تفعل يا محمد من أن تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدّى لمن استغنى ( إنَّها تَذْكِرَة ) يقول: إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة: يقول: عظة وعبرة .

تفسير فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ 12

( فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ) يقول: فمن شاء من عباد الله ذكره، يقول: ذكر تنـزيل الله ووحيه والهاء في قوله: " إنَّها " للسورة، وفي قوله: " ذَكَرَهُ" للتنـزيل والوحي.

تفسير فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ 13

( فِي صُحُفِ ) يقول: إنها تذكرة ( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) يعني: في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهر عند الله.

تفسير مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ 14

( فِي صُحُفِ ) يقول: إنها تذكرة ( فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) يعني: في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهر عند الله.

تفسير بِأَيْدِي سَفَرَةٍ 15

وقوله: ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) يقول: الصحف المكرّمة بأيدي سفرة، جمع سافر.
واختلف أهل التأويل فيهم ما هم؟ فقال بعضهم: هم كَتَبة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) يقول: كَتَبة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) قال: الكَتَبة.
وقال آخرون: هم القرّاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) قال: هم القرّاء.
وقال آخرون: هم الملائكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) يعني: الملائكة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) قال: السَّفَرة: الذين يُحْصون الأعمال.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الملائكة الذين يَسْفِرون بين الله ورسله بالوحي.
وسفير القوم: الذي يسعى بينهم بالصلح، يقال: سفرت بين القوم: إذا أصلحت بينهم، ومنه قول الشاعر:
ومَــا أدَعُ السِّــفارَةَ بَيـن قَـوْمي
ومَـــا أمْشِــي بغِشّ إنْ مَشِــيتُ (2)
وإذا وُجِّه التأويل إلى ما قلنا، احتمل الوجه الذي قاله القائلون: هم الكَتَبة، والذي قاله القائلون: هم القرّاء لأن الملائكة هي التي تقرأ الكتب، وتَسْفِر بين الله وبين رسله.
-------------------------
الهوامش :
(2) البيت : من شواهد الفراء في معاني القرآن ( 358 ) قال : وقوله : { بأيدي سفرة } ، وهم الملائكة ، واحدهم سافر ؛ والعرب تقول : سفرت بين القوم : إذا أصلحت بينهم ، فجعلت الملائكة ، إذ نزلت بوحي الله وتأديبه كالسفير الذي يصلح بين القوم . وقال الشاعر : " وما أدع السفارة ... " .البيت . ا . هـ . وفي ( اللسان : سفر ) وفي التنزيل { بأيدي سفرة } قال المفسرون : السفرة : يعني الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم ، واحدهم : سافر ، مثل كاتب وكتبه . ا هـ .