﴿الٓمٓصٓ﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
القرآن الكريم كتابٌ أنزله الله عليك - أيها الرسول - فلا يكن في صدرك منه ضيق ولا شك، أنزله إليك لتخوِّف به الناس، وتقيم به الحجة، ولتذكِّر به المؤمنين، فهم الذين ينتفعون بالذكرى.
اتبعوا - أيها الناس - الكتاب الذي أنزله ربكم عليكم، وسُنَّة نبيكم، ولا تتبعوا أهواء من ترونهم أولياءَ من شياطين أو أحبار سوء، تتولَّونهم تاركين ما أنزل عليكم لأجل ما تُمْليه أهواؤهم، إنكم قليلًا ما تتذكرون؛ إذ لو تذكرتم لَمَا آثرتم على الحق غيره، ولاتَّبعتم ما جاء به رسولكم، وعملتم به، وتركتم ما سواه.
ما أكثر القرى التي أهلكناها بعذابنا لما أَصرَّت على كفرها وضلالها، فنزل عليها عذابنا الشديد في حال غفلتها ليلًا أو نهارًا، فلم يستطيعوا دفع العذاب عن أنفسهم، ولم تدفعه عنهم آلهتهم المزعومة.
فما كان منهم بعد نزول العذاب إلا أن أَقرُّوا على أنفسهم بظلمهم بالكفر بالله.
فلنسألنَّ يوم القيامة الأمم التي أرسلنا إليها رسلنا عما أجابوا به الرسل، ولنسألن الرسل عن تبليغ ما أُمِروا بتبليغه، وعما أجابتهم به أممهم.
فلنقُصَّنَّ على جميع الخلق أعمالهم التي عملوها في الدنيا بعلم منا، فقد كنا عالمين بأعمالهم كلها، لا يغيب عنا منها شيء، وما كنا غائبين عنهم في أي وقت من الأوقات.
ووزن الأعمال يوم القيامة يكون بالعدل الذي لا جَوْر معه ولا ظلم، فمن رجحت عند الوزن كفَّة حسناته على كفَّة سيئاته فأولئك هم الذين فازوا بالمطلوب، ونجوا من المرهوب.
ومن رجحت عند الوزن كفَّة سيئاته على كفَّة حسناته فأولئك الذين خسروا أنفسهم بإيرادها موارد الهلاك يوم القيامة، بسبب جحدهم بآيات الله.
ولقد مَكَّناكم - يا بني آدم - في الأرض، وجعلنا لكم فيها أسبابًا للعيش، فكان عليكم أن تشكروا الله على ذلك، لكن شكركم كان قليلًا.
ولقد أنشأنا - أيها الناس - أباكم آدم، ثم صوَّرناه في أحسن صورة، وأحسن تقويم، ثم أَمَرْنا الملائكة بالسجود إكرامًا له، فامتثلوا وسجدوا، إلا إبليس أبى أن يسجد تكبرًا وعنادًا.
قال الله تعالى توبيخًا لإبليس: أي شيء منعك من امتثال أمري لك بالسجود لآدم؟ قال إبليس مجيبًا ربه: منعني أني أفضل منه، فقد خلقتني من نار، وخلقته هو من طين، والنار أشرف من الطين.
قال الله له: اهبط من الجنة، فليس لك أن تتكبر فيها؛ لأنها دار الطيِّبين الطاهرين، فما يجوز لك أن تكون فيها، إنك - يا إبليس - من الحقيرين الذليلين، وإن كنت ترى نفسك أنك أشرف من آدم.
قال إبليس: يا رب، أمهلني إلى يوم البعث حتى أغوي من أستطيع إغواءه من الناس.
قال له الله: إنك - يا إبليس - من المُمْهَلين الذين كتبت عليهم الموت يوم النفخة الأولى في الصور حين يموت الخلق كلهم، ويبقى خالقهم وحده.