( اقتربت الساعة ) دنت القيامة ( وانشق القمر ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، أخبرنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما .
وقال شيبان عن قتادة : فأراهم انشقاق القمر مرتين .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين ، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اشهدوا " .
وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر بمكة . وقال مقاتل : انشق القمر ثم التأم بعد ذلك .
وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : [ انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] فقالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة ، فاسألوا السفار ، فسألوهم فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله - عز وجل - : " اقتربت الساعة وانشق القمر " .
( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) أي : ذاهب وسوف يذهب ويبطل من قولهم : مر الشيء واستمر إذا ذهب ، مثل قولهم : قر واستقر ، قال هذا قول مجاهد وقتادة . وقال أبو العالية [ والضحاك ] : " مستمر " أي : قوي شديد يعلو كل سحر ، من قولهم : مر الحبل إذا صلب واشتد وأمررته إذا أحكمت فتله واستمر الشيء إذا قوي واستحكم .
( وكذبوا واتبعوا أهواءهم ) أي : كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عاينوا من قدرة الله - عز وجل - واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل . ( وكل أمر مستقر ) قال الكلبي : لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر ، وما كان منه في الآخرة فسيعرف . وقال قتادة : كل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير ، [ والشر مستقر بأهل الشر ] .
وقيل : كل أمر من خير أو شر مستقر قراره ، فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار .
وقيل : يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب . وقال مقاتل : لكل حديث منتهى . وقيل : كل ما قدر كائن واقع لا محالة .
وقرأ أبو جعفر " مستقر " بكسر الراء ، ولا وجه له .
( ولقد جاءهم ) يعني : أهل مكة ( من الأنباء ) أخبار الأمم المكذبة في القرآن ( ما فيه مزدجر ) [ متناهى ] ، مصدر بمعنى الازدجار ، أي نهي وعظة ، يقال : زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء ، وأصله : مزتجر ، قلبت التاء دالا .
( حكمة بالغة ) يعني : القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية ( فما تغن النذر ) يجوز أن تكون " ما " نفيا على معنى : فليست تغني النذر ، ويجوز أن يكون استفهاما والمعنى : فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم ؟ كقوله : " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " ( يونس - 101 ) و " النذر " : جمع نذير .
( فتول عنهم ) أعرض عنهم نسختها آية القتال . قيل : هاهنا وقف تام . وقيل : ( فتول عنهم يوم يدع الداع ) أي : إلى يوم الداعي ، قال مقاتل : هو إسرافيل ينفخ قائما على صخرة بيت المقدس ( إلى شيء نكر ) [ منكر ] فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاما ، قرأ ابن كثير : " نكر " بسكون الكاف ، والآخرون بضمها .
( خشعا أبصارهم ) قرأ أبو عمرو ، ويعقوب ، وحمزة ، والكسائي : " خاشعا " على الواحد ، وقرأ الآخرون : " خشعا " - بضم الخاء وتشديد الشين - على الجمع . ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث ، تقول : مررت برجال حسن أوجههم ، وحسنة أوجههم ، وحسان أوجههم ، قال الشاعر :
ورجال حسن أوجههم
من إياد بن نزار بن معد
وفي قراءة عبد الله : " خاشعة أبصارهم " أي : ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب .
( يخرجون من الأجداث ) من القبور ( كأنهم جراد منتشر ) منبث حيارى ، وذكر المنتشر على لفظ الجراد ، نظيرها : " كالفراش المبثوث " ، ( القارعة - 4 ) وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها ، كالجراد لا جهة لها ، تكون مختلطة بعضها في بعض .
( مهطعين ) مسرعين مقبلين ( إلى الداعي ) إلى صوت إسرافيل ( يقول الكافرون هذا يوم عسر ) يوم صعب شديد .
قوله - عز وجل - : ( كذبت قبلهم ) أي : قبل أهل مكة ( قوم نوح فكذبوا عبدنا ) نوحا ( وقالوا مجنون وازدجر ) أي : زجروه عن دعوته ومقالته بالشتم والوعيد ، وقالوا : " لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين " ( الشعراء - 116 ) وقال مجاهد : معنى : ازدجر أي : استطير جنونا .
( فدعا ) نوح ( ربه ) وقال ( أني مغلوب ) مقهور ( فانتصر ) فانتقم لي منهم .
( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) منصب انصبابا شديدا ، لم ينقطع أربعين يوما ، وقال يمان : قد طبق ما بين السماء والأرض .
( وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء ) يعني ماء السماء وماء الأرض ، وإنما قال : " فالتقى الماء " والالتقاء لا يكون من واحد ، إنما يكون بين اثنين فصاعدا؛ لأن الماء يكون جمعا وواحدا . وقرأ عاصم الجحدري : فالتقى الماءان . ( على أمر قد قدر ) أي : قضي عليهم في أم الكتاب . وقال مقاتل : قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر .
( وحملناه ) يعني : نوحا ( على ذات ألواح ودسر ) أي سفينة ذات ألواح ، ذكر النعت وترك الاسم ، أراد بالألواح خشب السفينة العريضة ( ودسر ) أي : المسامير التي تشد بها الألواح ، واحدها دسار ودسير ، يقال : دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير . وقال الحسن : الدسر صدر السفينة سميت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجئها ، أي تدفع . وقال مجاهد : هي عوارض السفينة . وقيل : أضلاعها . وقال الضحاك : الألواح جانباها ، والدسر أصلها وطرفاها .
( تجري بأعيننا ) أي : بمرأى منا . وقال مقاتل بن حيان : بحفظنا ، ومنه قولهم للمودع : عين الله عليك . وقال سفيان : بأمرنا ( جزاء لمن كان كفر ) [ قال مقاتل بن حيان ] : يعني : فعلنا به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابا لمن كان كفر به وجحد أمره ، وهو نوح عليه السلام ، وقيل : " من " بمعنى ما أي : جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أغرقهم ، أو جزاء لما [ صنع ] بنوح وأصحابه . وقرأ مجاهد : " جزاء لمن كان كفر " بفتح الكاف والفاء ، يعني كان الغرق جزاء لمن كان كفر بالله وكذب رسوله .
( ولقد تركناها ) يعني : [ الفعلة التي ] فعلنا ( آية ) يعتبر بها . وقيل : أراد السفينة . قال قتادة : أبقاها الله [ بباقر دي ] من أرض الجزيرة . عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة ( فهل من مدكر ) أي : متذكر متعظ معتبر خائف مثل عقوبتهم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلا سأل الأسود عن قوله : " فهل من مدكر " أو مذكر ؟ قال : سمعت عبد الله يقرؤها " فهل من مدكر " ، وقال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها : " فهل من مدكر " دالا .