تفسير
حم
1
1 - 2 - ﴿حمٓ ۱ عٓسٓقٓ﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
تفسير
عسق
2
1 - 2 - ﴿حمٓ ۱ عٓسٓقٓ﴾ تقدم الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
مثل هذا الوحي يوحي إليك يا محمد وإلى الذين من قبلك من أنبياء اللهِ، اللهُ العزيزُ في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره وخلقه.
لله وحده ما في السماوات وما في الأرض خلقًا وملكًا وتدبيرًا، وهو العلي بذاته وقدره وقهره، العظيم في ذاته.
ومن عظمته سبحانه تكاد السماوات مع عظمها وارتفاعها يتشققن من فوق الأرضين، والملائكة ينزهون ربهم ويعظمونه حامدين له خضوعًا وإجلالًا، ويطلبون المغفرة من الله لمن في الأرض، ألا إن الله هو الغفور لذنوب من تاب من عباده، الرحيم بهم.
والذين اتخذوا من دون الله أصنامًا يوالونهم ويعبدونهم من دون الله، الله لهم بالمرصاد يسجل عليهم أعمالهم ويجازيهم بها، وما أنت - أيها الرسول - موكل بحفظ أعمالهم، فلن تُسْأَل عن أعمالهم، إنما أنت مبلغ.
ومثلما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك - أيها الرسول - أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا لتنذر مكة ومن حولها من قرى العرب، ثم الناس جميعًا، وتخوّف الناس من يوم القيامة يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد للحساب والجزاء، لا شك في وقوع ذلك اليوم، والناس منقسمون فيه إلى فريقين: فريق في الجنة وهم المؤمنون، وفريق في النار وهم الكفار.
ولو شاء الله جَعْلَهم أمةً واحدة على دين الإسلام لجعلهم أمة واحدة عليه، وأدخلهم جميعًا الجنة، ولكن اقتضت حكمته أن يدخل من يشاء في الإسلام، ويدخله الجنة، والظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي ما لهم من ولي يتولاهم، ولا نصير ينقذهم من عذاب الله.
بل اتخذ هؤلاء المشركون من دون الله أولياء يتولّونهم، والله هو الولي الحق، فغيره لا ينفع ولا يضرّ، وهو يحيي الموتى ببعثهم للحساب والجزاء،ولا يعجزه شيء سبحانه.
وما اختلفتم - أيها الناس - فيه من شيء من أصول دينكم أو فروعه فحكمه إلى الله، فيرجع فيه إلى كتابه أو سُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، هذا الذي يتصف بهذه الصفات هو ربي، عليه اعتمدت في أموري كلها، وإليه أرجع بالتوبة.
الله خالق السماوات والأرض على غير مثال سابق، جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم من الإبل والبقر والغنم أزواجًا، حتى تتكاثر من أجلكم، يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم بالتزاوج، ويعيشكم فيما جعل لكم من أنعامكم من لحومها وألبانها، لا يماثله شيء من مخلوقاته، هو السميع لأقوال عباده، البصير بأفعالهم، لا يفوته منها شيء، وسيجازيهم على أعمالهم؛ إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
له وحده مفاتيح خزائن السماوات والأرض، يوسع الرزق لمن يشاء من عباده؛ اختبارًا له أيشكر أم يكفر؟ ويضيّقه على من يشاء؛ ابتلاءً له أيصبر أم يتسخط على قدر الله؟ إنه بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء مما فيه مصالح عباده.
شرع لكم من الدين مثل ما أمرنا نوحًا بتبليغه والعمل به، والذي أوحيناه إليك - أيها الرسول - وشرع لكم مثل الذي أمرنا إبراهيم وموسى وعيسى بتبليغه والعمل به، وخلاصته: أن أقيموا الدين، واتركوا التفرق فيه، عَظُم على المشركين ما تدعوهم إليه من توحيد الله، وترك عبادة غيره، الله يصطفي من شاء من عباده، فيوفقه لعبادته وطاعته، ويهدي إليه من يرجع إليه منهم بالتوبة من ذنوبه.
وما تفرق الكفار والمشركون إلا من بعد ما قامت عليهم الحجة ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم إليهم، وما كان تفرّقهم إلا بسبب البغي والظلم، ولولا ما سبق في علم الله من أنه يؤخر عنهم العذاب إلى أَمَدٍ محدد في علمه هو يوم القيامة لحكم الله بينهم، فعجل لهم العذاب بسبب كفرهم بالله وتكذيبهم لرسله، وإن الذين أورثوا التوراة من اليهود، والإنجيل من النصارى من بعد أسلافهم، ومن بعد هؤلاء المشركين، لفي شك من هذا القرآن الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم ومكذبون به.
ادعُ لهذا الدين المستقيم، واثبت عليه وفق ما أمرك الله، ولا تتبع أهواءهم الباطلة، وقل عند مجادلتهم: آمنت بالله وبالكتب التي أنزلها الله على رسله، وأمرني الله أن أحكم بينكم بالعدل، الله الذي أعبده ربنا وربكم جميعًا، لنا أعمالنا خيرًا كانت أو شرًّا، ولكم أعمالكم خيرًا كانت أو شرًّا، لا جدال بيننا وبينكم بعد أن تبينت الحجة، واتضحت المحجة، الله يجمع بيننا جميعًا، وإليه المرجع يوم القيامة، فيجازي كلًّا منا بما يستحقه، فيتبيّن عندئذ الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل.