تفسير
الم
1
﴿الٓـمٓ﴾ سبق الكلام على نظائرها في بداية سورة البقرة.
هذه الآيات المنزلة عليك - أيها الرسول - آيات الكتاب الذي ينطق بالحكمة.
وهو هداية ورحمة للذين يحسنون العمل، بقيامهم بحقوق ربهم وحقوق عباده.
الذين يؤدون الصلاة على أكمل وجه، ويعطون زكاة أموالهم، وهم موقنون بما في الآخرة من بعث وحساب وثواب وعقاب.
أولئك المتصفون بتلك الصفات على هدى من ربهم، وأولئك هم الفائزون بنيل ما يطلبونه، والبعد عما يرهبونه.
ومن الناس - مثل النضر بن الحارث - من يختار الأحاديث المُلْهِية ليصرف الناس إليها عن دين الله بغير علم، ويتخذ آيات الله هزؤًا يسخر منها، أولئك الموصوفون بتلك الصفات لهم عذاب مُذِلٌّ في الآخرة.
وإذا تُقْرأ عليه آياتنا أدبر مستكبرًا عن سماعها كأنه لم يسمعها، كأن في أذنيه صَمَمًا عن سماع الأصوات، فبشّره - أيها الرسول - بعذاب موجع ينتظره.
إن الذين آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحات، لهم جنات النعيم، يتنعمون فيما أعدّ الله لهم فيها.
ماكثين فيها، وعدهم الله بذلك وعدًا حقًّا لا شك فيه، وهو سبحانه العزيز الذي لا يغالبه أحد، الحكيم في خلقه وتقديره وشرعه.
خلق الله سبحانه وتعالى السماوات مرفوعة بغير أَعْمِدَة، ونصب في الأرض جبالًا ثوابت حتى لا تضطرب بكم، وبثّ فوق الأرض أنواع الحيوان، وأنزلنا من السماء ماء المطر، فأنبتنا في الأرض من كل صنف بَهِيج المنظر ينتفع به الناس والدواب.
هذا المذكور خلق الله، فأروني - أيها المشركون - ماذا خلق الذين تعبدونهم من دون الله؟! بل الظالمون في ضلال واضح عن الحق، حيث يشركون مع ربهم من لا يخلق شيئًا وهم يُخْلقون.
ولقد أعطينا لقمان الفقه في الدين والإصابة في الأمور، وقلنا له: اشكر - يا لقمان - لربك ما أنعم به عليك من التوفيق لطاعته، ومن يشكر ربه فإنما نفع شكره عائد إلى نفسه، فالله غني عن شكره، ومن جَحَدَ نعمة الله عليه فكفر به سبحانه فإنما ضرر كفره عليه ولا يضر الله شيئًا فهو غني عن خلقه جميعًا، محمود على كل حال.
واذكر - أيها الرسول - إذ قال لقمان لابنه وهو يرغِّبه في الخير، ويحذره من الشر: يا بنيّ، لا تعبد مع الله غيره، إن عبادة معبود مع الله ظلم عظيم للنفس بارتكاب أعظم ذنب يؤدي إلى خلودها في النار.
ووصّينا الإنسان بطاعة أبويه وبرهما فيما لا معصية فيه لله، حملته أمه في بطنها ملاقية مشقة بعد مشقة، وقَطْعُه عن الرضاعة في عامين، وقلنا له: اشكر لله ما أنعم به عليك من نِعَم، ثم اشكر لوالديك ما قاما به من تربيتك ورعايتك، إليّ وحدي المرجع فأجازي كلًّا بما يستحقه.
وإن بذل الوالدان جهدًا ليَحْمِلاك على أن تشرك بالله غيره تحكُّمًا منهما، فلا تطعهما في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وصاحبهما في الدنيا بالبر والصلة والإحسان، واتبع طريق من أناب إليّ بالتوحيد والطاعة، ثم إليّ وحدي يوم القيامة مرجعكم جميعًا، فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من عمل، وأجازيكم عليه.