تفسير
الم
1
تقدم الكلام عن الحروف المقطعة
كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول الأرض، وكان يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة.
وكانت الفرس مشركين يعبدون النار، وكانت الروم أهل كتاب ينتسبون إلى التوراة والإنجيل وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس، وكان المشركون -لاشتراكهم والفرس في الشرك- يحبون ظهور الفرس على الروم.
فظهر الفرس على الروم فغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم بل بأدنى أرضهم، ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون، فأخبرهم اللّه ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس.
كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول الأرض، وكان يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة.
وكانت الفرس مشركين يعبدون النار، وكانت الروم أهل كتاب ينتسبون إلى التوراة والإنجيل وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس، وكان المشركون -لاشتراكهم والفرس في الشرك- يحبون ظهور الفرس على الروم.
فظهر الفرس على الروم فغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم بل بأدنى أرضهم، ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون، فأخبرهم اللّه ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس.
{ فِي بِضْعِ سِنِينَ } تسع أو ثمان ونحو ذلك مما لا يزيد على العشر، ولا ينقص عن الثلاث، وأن غلبة الفرس للروم ثم غلبة الروم للفرس كل ذلك بمشيئته وقدره ولهذا قال: { لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ } فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الأسباب، وإنما هي لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر.
{ وَيَوْمَئِذٍ } أي: يوم يغلب الروم الفرس ويقهرونهم { يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{
}بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ } أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس وإن كان الجميع كفارا ولكن بعض الشر أهون من بعض ويحزن يومئذ المشركون.
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة التي قهر بها الخلائق أجمعين يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء. { الرَّحيم } بعباده المؤمنين حيث قيض لهم من الأسباب التي تسعدهم وتنصرهم ما لا يدخل في الحساب.
{ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ } فتيقنوا ذلك واجزموا به واعلموا أنه لا بد من وقوعه.
فلما نزلت هذه الآيات التي فيها هذا الوعد صدق بها المسلمون، وكفر بها المشركون حتى تراهن بعض المسلمين وبعض المشركين على مدة سنين عينوها، فلما جاء الأجل الذي ضربه اللّه انتصر الروم على الفرس وأجلوهم من بلادهم التي أخذوها منهم وتحقق وعد اللّه.
وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها اللّه قبل وقوعها ووجدت في زمان من أخبرهم اللّه بها من المسلمين والمشركين. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } أن ما وعد اللّه به حق فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعد الله، ويكذبون آياته.
وهؤلاء الذين لا يعلمون أي: لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها. وإنما { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها.
{ وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي اللّه ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة.
ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب.
وأظهروا من العجائب الذرية والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم اللّه عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.
ثم نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و[ما] حرموا من العقل العالي فعرفوا أن الأمر للّه والحكم له في عباده وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته [وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير]
أي: أفلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسل اللّه ولقائه { فِي أَنْفُسِهِمْ } فإن في أنفسهم آيات يعرفون بها أن الذي أوجدهم من العدم سيعيدهم بعد ذلك وأن الذي نقلهم أطوارا من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آدمي قد نفخ فيه الروح إلى طفل إلى شاب إلى شيخ إلى هرم، غير لائق أن يتركهم سدى مهملين لا ينهون ولا يؤمرون ولا يثابون ولا يعاقبون. { مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ } [أي] ليبلوكم أيكم أحسن عملا. { وَأَجَلٌ مُسَمًّى } أي: مؤقت بقاؤهما إلى أجل تنقضي به الدنيا وتجيء به القيامة وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات.
{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } فلذلك لم يستعدوا للقائه ولم يصدقوا رسله التي أخبرت به وهذا الكفر عن غير دليل، بل الأدلة القاطعة قد دلت على البعث والجزاء.
نبههم على السير في الأرض والنظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وخالفوا أمرهم ممن هم أشد من هؤلاء قوة وأكثر آثارا في الأرض من بناء قصور ومصانع ومن غرس أشجار ومن زرع وإجراء أنهار، فلم تغن عنهم قوتهم ولا نفعتهم آثارهم حين كذبوا رسلهم الذين جاءوهم بالبينات الدالات على الحق وصحة ما جاءوهم به، فإنهم حين ينظرون في آثار أولئك لم يجدوا إلا أمما بائدة وخلقا مهلكين ومنازل بعدهم موحشة وذم من الخلق عليهم متتابع. وهذا جزاء معجل نموذج للجزاء الأخروي ومبتدأ له.
وكل هذه الأمم المهلكة لم يظلمهم اللّه بذلك الإهلاك وإنما ظلموا أنفسهم وتسببوا في هلاكها.
{ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السوأى } أي: الحالة السيئة الشنيعة، وصار ذلك داعيا لهم لأن { كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } فهذا عقوبة لسوئهم وذنوبهم.
ثم ذلك الاستهزاء والتكذيب يكون سببا لأعظم العقوبات وأعضل المثلات.
يخبر تعالى أنه المتفرد بإبداء المخلوقات ثم يعيدهم ثم إليه يرجعون بعد إعادتهم ليجازيهم بأعمالهم، ولهذا ذكر جزاء أهل الشر ثم جزاء أهل الخير .
{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ } أي: يقوم الناس لرب العالمين ويردون القيامة عيانا، يومئذ { يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ } أي: ييأسون من كل خير. وذلك أنهم ما قدموا لذلك اليوم إلا الإجرام وهي الذنوب، من كفر وشرك ومعاصي، فلما قدموا أسباب العقاب ولم يخلطوها بشيء من أسباب الثواب، أيسوا وأبلسوا وأفلسوا وضل عنهم ما كانوا يفترونه، من نفع شركائهم وأنهم يشفعون لهم.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ } التي عبدوها مع اللّه { شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ } تبرأ المشركون ممن أشركوهم مع اللّه وتبرأ المعبودون وقالوا: { تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } والتعنوا وابتعدوا، وفي ذلك اليوم يفترق أهل الخير والشر كما افترقت أعمالهم في الدنيا.
{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } آمنوا بقلوبهم وصدقوا ذلك بالأعمال الصالحة { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } فيها سائر أنواع النبات وأصناف المشتهيات، { يُحْبَرُونَ } أي: يسرون وينعمون بالمآكل اللذيذة والأشربة والحور الحسان والخدم والولدان والأصوات المطربات والسماع المشجي والمناظر العجيبة والروائح الطيبة والفرح والسرور واللذة والحبور مما لا يقدر أحد أن يصفه.