مكية
( طس ) قال ابن عباس : هو اسم من أسماء الله تعالى ، وقد سبق الكلام في حروف الهجاء . ) ( تلك آيات القرآن ) أي : هذه آيات القرآن ) ( وكتاب مبين ) أي : وآيات كتاب مبين .
( هدى وبشرى للمؤمنين ) يعني : هو هدى من الضلالة ، وبشرى للمؤمنين المصدقين به بالجنة .
"الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون".
( إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ) القبيحة حتى رأوها حسنة ( فهم يعمهون ) أي : يترددون فيها متحيرين .
( أولئك الذين لهم سوء العذاب ) شدة العذاب في الدنيا بالقتل والأسر ببدر ( وهم في الآخرة هم الأخسرون ) لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إلى النار .
( وإنك لتلقى القرآن ) أي : تؤتى القرآن وتلقن ( من لدن حكيم عليم ) أي : وحيا من عند الله الحكيم العليم .
قوله - عز وجل - : ( إذ قال موسى لأهله ) أي : واذكر يا محمد إذ قال موسى لأهله في مسيره من مدين إلى مصر : ( إني آنست نارا ) أي : أبصرت نارا . ( سآتيكم منها بخبر ) أي : امكثوا مكانكم ، سآتيكم بخبر عن الطريق ، وكان قد ترك الطريق ( أو آتيكم بشهاب قبس ) قرأ أهل الكوفة : " بشهاب " بالتنوين ، جعلوا القبس نعتا للشهاب ، وقرأ الآخرون بلا تنوين على الإضافة ، وهو إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الشهاب والقبس متقاربان في المعنى ، وهو العود الذي في أحد طرفيه نار ، وليس في الطرف الآخر نار . وقال بعضهم : الشهاب هو شيء ذو نور ، مثل العمود ، والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهابا ، والقبس : القطعة من النار ) ( لعلكم تصطلون ) تستدفئون من البرد ، وكان ذلك في شدة الشتاء .
( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) أي : بورك على من في النار أو من في النار ، والعرب تقول : باركه الله وبارك فيه ، وبارك عليه ، بمعنى واحد . وقال قوم : البركة راجعة إلى موسى والملائكة ، معناه : بورك في من طلب النار ، وهو موسى عليه السلام ) ( ومن حولها ) وهم الملائكة الذين حول النار ، ومعناه : بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار ، وهذا تحية من عند الله - عز وجل - لموسى بالبركة ، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور ، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا ، و " من في النار " هم الملائكة ، وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ، و " من حولها " هو موسى لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها . وقيل : " من في النار ومن حولها " جميعا الملائكة . وقيل : " من في النار " موسى و " من حولها " الملائكة ، وموسى وإن لم يكن في النار كان قريبا منها ، كما يقال : بلغ فلان المنزل ، إذا قرب منه ، وإن لم يبلغه بعد . وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار . وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : معناه بوركت النار . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت أبيا يقرأ : أن بوركت النار ومن حولها ، و " من " قد تأتي بمعنى ما ، كقوله تعالى : فمنهم من يمشي على بطنه ( النور - 45 ) ، و " ما " قد يكون صلة في الكلام ، كقوله " جند ما هنالك " ( ص - 11 ) ، ومعناه : بورك في النار وفيمن حولها ، وهم الملائكة وموسى عليهم السلام ، وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال : " في البقعة المباركة " .
وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله : ( بورك من في النار ) يعني قدس من في النار ، وهو الله ، عنى به نفسه ، على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها كما روي : أنه مكتوب في التوراة : " جاء الله من سيناء ، وأشرف من ساعين ، واستعلى من جبال فاران " فمجيئه من سيناء : بعثة موسى منها ، ومن ساعين بعثة المسيح منها ، ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها ، وفاران مكة . قيل : كان ذلك نوره - عز وجل - . قال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها ، والنار إحدى حجب الله تعالى ، كما جاء في الحديث : " حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب ، فقال جل ذكره . ( وسبحان الله رب العالمين )
ثم تعرف إلى موسى بصفاته ، فقال : ( يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) والهاء في قوله ) ( إنه ) عماد ، وليس بكناية ، وقيل : هي كناية عن الأمر والشأن ، أي : الأمر والشأن ، أي : المعبود أنا
ثم أرى موسى آية على قدرته ، فقال : ( وألق عصاك فلما رآها تهتز ) تتحرك ) ( كأنها جان ) وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها ) ( ولى مدبرا ) هرب من الخوف ) ( ولم يعقب ) لم يرجع ، يقال : عقب فلان إذا رجع ، وكل راجع معقب . وقال قتادة : ولم يلتفت ، فقال الله - عز وجل - : ( يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ) يريد إذا آمنتهم لا يخافون ، أما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أخشاكم لله " .
وقوله : ( إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ) واختلف في هذا الاستثناء ، قيل : هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك ، ثم تاب فقال : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ، فغفر له . قال ابن جريج : قال الله تعالى لموسى : إنما أخفتك لقتلك النفس . وقال : معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله : ) ( إلا من ظلم ) ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة . وفي الآية متروك استغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه ، تقديره : فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم .
وقال بعض العلماء : ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم ، بل هو استثناء من المتروك في الكلام ، معناه : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين ، إلا من ظلم ثم تاب ، وهذا من الاستثناء المنقطع ، معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف ، فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإن الله غفور رحيم ، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه .
وقال بعض النحويين : " إلا " هاهنا بمعنى : " ولا " يعني : لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ، يقول : لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون ، كقوله تعالى : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ( البقرة - 150 ) ، يعني : ولا الذين ظلموا
ثم أراه الله آية أخرى فقال : ( وأدخل يدك في جيبك ) والجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع ، قال أهل التفسير : كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار ، فأدخل يده في جيبه وأخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، فذلك قوله : ( تخرج بيضاء من غير سوء ) من غير برص ) ( في تسع آيات ) يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن ( إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين )
( فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ) بينة واضحة يبصر بها ( قالوا هذا سحر مبين ) ظاهر .
( وجحدوا بها ) أي : أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله ) ( واستيقنتها أنفسهم ) أي : علموا أنها من عند الله ، قوله : ( ظلما وعلوا ) أي : شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى ( فانظر كيف كان عاقبة المفسدين )
قوله - عز وجل - : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما ) أي : علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسخير الشياطين وتسبيح الجبال ( وقالا الحمد لله الذي فضلنا ) بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس ( على كثير من عباده المؤمنين )