( سورة يوسف عليه السلام مكية )
( الر تلك آيات الكتاب المبين ) أي : البين حلاله وحرامه ، وحدوده وأحكامه . قال قتادة : مبين - والله - بركته وهداه ورشده ، فهذا من بان أي : ظهر .
وقال الزجاج : مبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، فهذا من أبان بمعنى أظهر .
( إنا أنزلناه ) يعني : الكتاب ( قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) أي : أنزلناه بلغتكم ، لكي تعلموا معانيه ، وتفهموا ما فيه .
( نحن نقص عليك ) أي : نقرأ عليك ( أحسن القصص ) والقاص هو الذي يتبع الآثار ويأتي بالخبر على وجهه .
معناه : نبين لك أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية أحسن البيان .
وقيل : المراد منه : قصة يوسف عليه السلام خاصة ، سماها أحسن القصص لما فيها من العبر ، والحكم ، والنكت ، والفوائد التي تصلح للدين والدنيا ، من سير الملوك والمماليك ، والعلماء ، ومكر النساء ، والصبر على أذى الأعداء ، وحسن التجاوز عنهم بعد الالتقاء ، وغير ذلك من الفوائد .
قال خالد بن معدان : سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة .
وقال ابن عطاء : لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها .
قوله عز وجل : ( بما أوحينا إليك ) " ما " المصدر ، أي : بإيحائنا إليك ( هذا القرآن وإن كنت ) وقد كنت ( من قبله ) أي : [ قبل وحينا ] ( لمن الغافلين ) لمن الساهين عن هذه القصة لا تعلمها .
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله ، لو حدثتنا ، فأنزل الله عز وجل : ( الله نزل أحسن الحديث ) ( الزمر - 23 ) فقالوا : يا رسول الله ، لو قصصت علينا ، فأنزل الله عز وجل : ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) فقالوا : يا رسول الله ، لو ذكرتنا ، فأنزل الله عز وجل ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) ( الحديد - 16 ) .
قوله عز وجل : ( إذ قال يوسف لأبيه ) أي : واذكر إذ قال يوسف لأبيه ويوسف اسم عبري [ عرب ] ، ولذلك لا يجري [ عليه الإعراب ] وقيل هو عربي .
سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال : الأسف في اللغة : الحزن ، والأسيف : العبد ، واجتمعا في يوسف عليه السلام فسمي به .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : قال عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الصمد ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .
( يا أبت ) قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ( يا أبت ) بفتح التاء في جميع القرآن على تقدير : يا أبتاه .
وقرأ الآخرون : ( يا أبت ) بكسر التاء لأن أصله : يا أبت ، والجزم يحرك إلى الكسر .
( إني رأيت أحد عشر كوكبا ) أي نجما من نجوم السماء ، ونصب الكواكب على التفسير .
( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ( ولم يقل رأيتها إلي ساجدة ، والهاء والميم والياء والنون من كنايات من يعقل ، لأنه لما أخبر عنها بفعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل كقوله تعالى : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) ( النمل - 18 ) .
وكان النجوم في التأويل أخواته ، وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم ، والشمس أبوه ، والقمر أمه . قاله قتادة .
وقال السدي : القمر خالته ، لأن أمه راحيل كانت قد ماتت .
وقال ابن جريج : القمر أبوه والشمس أمه; لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر .
وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة حين رأى هذه الرؤيا .
وقيل : رآها ليلة الجمعة ليلة القدر.
فلما قصها على أبيه .
( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ) وذلك أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي فعلم يعقوب أن الإخوة إذا سمعوها حسدوه فأمره بالكتمان ( فيكيدوا لك كيدا ) فيحتالوا في إهلاكك لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك . واللام في قوله " لك " صلة ، كقوله تعالى : ( لربهم يرهبون ) ( الأعراف - 154 ) . وقيل : هو مثل قولهم نصحتك ونصحت لك ، وشكرتك وشكرت لك . ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) أي : يزين لهم الشيطان ، ويحملهم على الكيد ، لعداوته القديمة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد ، قال : سمعت أبا سلمة ، قال : كنت أرى الرؤيا تهمني حتى سمعت أبا قتادة يقول : كنت أرى الرؤيا فتمرضني ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " الرؤيا الصالحة من الله تعالى ، [ والحلم من الشيطان ] ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ، ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ، ولا يحدث به أحدا فإنها لن تضر " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن أبي رزين العقيلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا جزء من أربعين أو ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وهو على رجل طائر ، فإذا حدث بها وقعت " ، وأحسبه قال : " لا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا " .
قوله عز وجل : ( وكذلك يجتبيك ربك ) يصطفيك ربك يقوله يعقوب ليوسف أي : كما رفع منزلتك بهذه الرؤيا ، فكذلك يصطفيك ربك ( ويعلمك من تأويل الأحاديث ) يريد تعبير الرؤيا ، سمي تأويلا لأنه يئول أمره إلى ما رأى في منامه ، والتأويل ما يئول إلى عاقبة الأمر ( ويتم نعمته عليك ) يعني : بالنبوة ( وعلى آل يعقوب ) أي : على أولاده فإن أولاده كلهم كانوا أنبياء ( كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ) فجعلهما نبيين ( إن ربك عليم حكيم ) .
وقيل : المراد من إتمام النعمة على إبراهيم الخلة .
وقيل : إنجاؤه من النار ، وعلى إسحاق إنجاؤه من الذبح .
وقيل : بإخراج يعقوب والأسباط من صلبه .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان بين رؤيا يوسف هذه وبين تحقيقها بمصير أبويه وإخوته إليه أربعون سنة ، وهو قول أكثر أهل التفسير .
وقال الحسن البصري : كان بينهما ثمانون سنة . فلما بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا : ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه فبغوه .
يقول الله تعالى : ( لقد كان في يوسف وإخوته ) أي : في خبره وخبر إخوته . وأسماؤهم : روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوي ويهوذا وزبالون وقيل : زبلون وآشر وأمهم ليا بنت ليان وهي ابنة خال يعقوب عليه السلام ، وولد له من سريتين له ، اسم إحداهما زلفة والأخرى يلهمة أربعة أولاد : دان ونفتالي وقيل : نفتولي وجاد وأشير . ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب عليه السلام أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين . [ وقيل : وابن يامين ] ، فكان بنو يعقوب عليه السلام اثني عشر رجلا .
( آيات ) قرأ ابن كثير " آية " على التوحيد ، أي : عظة وعبرة ، وقيل : عجب .
وقرأ الآخرون : ( آيات ) على الجمع .
( للسائلين ) وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف عليه السلام .
وقيل : سألوه عن سبب انتقال ولد يعقوب من كنعان إلى مصر . فذكر لهم قصة يوسف فوجدوها موافقة لما في التوراة [ فتعجبوا منها ] . فهذا معنى قوله : ( آيات للسائلين ) [ أي : دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : آيات للسائلين ولمن لم يسأل ، كقوله : ( سواء للسائلين ) ( فصلت - 10 ) ] .
وقيل : معناه عبرة للمعتبرين ، فإنها تشتمل على حسد إخوة يوسف وما آل إليه أمرهم في الحسد ، وتشتمل على رؤياه ، وما حقق الله منها ، وتشتمل على صبر يوسف عليه السلام عن قضاء الشهوة ، وعلى الرق ، وفي السجن ، وما آل إليه أمره من الملك ، وتشتمل على حزن يعقوب وصبره وما آل إليه أمره من الوصول إلى المراد وغير ذلك من الآيات .
( إذ قالوا ليوسف ) اللام فيه جواب القسم تقديره : والله ليوسف ( وأخوه ) بنيامين ( أحب إلى أبينا منا ) كان يوسف وأخوه بنيامين من أم واحدة ، وكان يعقوب عليه السلام شديد الحب ليوسف عليه السلام ، وكان إخوته يرون من الميل إليه ما لا يرونه مع أنفسهم فقالوا هذه المقالة ( ونحن عصبة ) جماعة وكانوا عشرة .
قال الفراء : العصبة هي العشرة فما زاد .
وقيل : العصبة ما بين الواحد إلى العشرة .
وقيل : ما بين الثلاثة إلى العشرة .
وقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر .
وقيل : ما بين العشرة إلى الأربعين .
وقيل : جماعة يتعصب بعضها لبعض لا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط .
( إن أبانا لفي ضلال مبين ) أي خطإ بين في إيثاره يوسف وأخاه علينا ، وليس المراد من الضلال عن الدين ، ولو أرادوه لكفروا به ، بل المراد منه : الخطأ في تدبير أمر الدنيا ، يقولون : نحن أنفع له في أمر الدنيا وإصلاح أمر معاشه ورعي مواشيه ، فنحن أولى بالمحبة منه ، فهو مخطئ في صرف محبته إليه .
( اقتلوا يوسف ) اختلفوا في قائل هذا القول; فقال وهب : قاله شمعون . وقال كعب : قاله دان .
( أو اطرحوه أرضا ) أي : إلى أرض يبعد عن أبيه . وقيل : في أرض تأكله السباع .
( يخل لكم ) يخلص لكم ويصف لكم . ( وجه أبيكم ) عن شغله بيوسف ( وتكونوا من بعده ) من بعد قتل يوسف ( قوما صالحين ) تائبين ، أي : توبوا بعدما فعلتم هذا يعف الله عنكم . وقال مقاتل : يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم .
( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ) وهو يهوذا وقال [ قتادة ] : روبيل وكان ابن خالة يوسف وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه . والأول أصح أنه يهوذا نهاهم عن قتله ، وقال : القتل كبيرة عظيمة . ( وألقوه في غيابة الجب ( قرأ أبو جعفر ونافع : " غيابات الجب " على الجمع في الحرفين ، وقرأ الباقون " غيابة الجب " على الواحد ، أي : في أسفل الجب وظلمته . والغيابة : كل موضع ستر عنك الشيء وغيبه . والجب : البئر غير المطوية لأنه جب ، أي : قطع ولم يطو .
( يلتقطه ) يأخذه ، والالتقاط : أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه ( بعض السيارة ) أي : بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية أخرى ، فتستريحوا منه ( إن كنتم فاعلين ) أي : إن عزمتم على فعلكم ، وهم كانوا يومئذ بالغين ، ولم يكونوا أنبياء بعد .
وقيل : لم يكونوا بالغين ، وليس بصحيح; بدليل أنهم قالوا : " وتكونوا من بعده قوما صالحين " .
" قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " والصغير لا ذنب له .
وقال محمد بن إسحاق : اشتمل فعلهم على جرائم من قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له ، والغدر بالأمانة ، وترك العهد ، والكذب مع أبيهم . وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييئس أحد من رحمة الله .
وقال بعض [ أهل العلم ] إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين ، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى .
وسئل أبو عمرو بن العلاء : كيف قالوا : " نرتع ونلعب " وهم أنبياء ؟ قال : كان ذلك قبل أن نبأهم الله تعالى ، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل .
( قالوا ) ليعقوب ( يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ) قرأ أبو جعفر : ( تأمنا ) بلا إشمام ، وهو رواية عن نافع [ وقرأ الباقون : ( تأمنا ) بإشمام الضمة في النون الأولى المدغمة ، وهو إشارة إلى الضمة من غير إمحاض ليعلم أن أصله : لا تأمننا بنونين على تفعلنا ، فأدغمت النون الأولى في الثانية ] ، بدءوا بالإنكار عليه في ترك إرساله معهم كأنهم قالوا : إنك لا ترسله معنا أتخافنا عليه ؟ .
( وإنا له لناصحون ) قال مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير ، وذلك أنهم قالوا لأبيهم : " أرسله معنا " فقال أبوهم : " إني ليحزنني أن تذهبوا به " فحينئذ قالوا : ( ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون ) النصح ها هنا هو : القيام بالمصلحة ، وقيل : البر والعطف ، معناه : إنا عاطفون عليه ، قائمون بمصلحته ، نحفظه حتى نرده إليك .
( أرسله معنا غدا ) إلى الصحراء ( يرتع ويلعب ) قرأ أبو عمرو ، وابن عامر بالنون فيهما ، وجزم العين من " نرتع " ، وقرأ أهل الكوفة بالياء فيهما ، وجزم العين من " يرتع " يعني يوسف ، وقرأ يعقوب : " نرتع " بالنون " ويلعب " بالياء .
والرتع هو : الاتساع في الملاذ . يقال : رتع فلان في ماله إذا أنفقه في شهواته ، يريد ونتنعم ونأكل ونشرب ونلهو وننشط .
وقرأ أهل الحجاز : ( يرتع ) بكسر العين ، وهو [ يفتعل ] من الرعي .
ثم ابن كثير قرأ بالنون فيهما أي : نتحارس ويحفظ بعضنا بعضا .
وقرأ أبو جعفر ، ونافع بالياء إخبارا عن يوسف أي : يرعى الماشية كما نرعى نحن .
( وإنا له لحافظون )
( قال ) لهم يعقوب ( إني ليحزنني أن تذهبوا به ) أي : يحزنني ذهابكم به ، والحزن ها هنا : ألم القلب بفراق المحبوب ( وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ) وذلك أن يعقوب كان رأى في المنام أن ذئبا شد على يوسف فكان يخاف من ذلك ، فمن ثم قال هذه المقالة .
( قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة ) عشرة ( إنا إذا لخاسرون ) عجزة ضعفاء .
( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) أي : عزموا ( أن يجعلوه ) يلقوه ( في غيابة الجب وأوحينا إليه ) هذه الواو زائدة ، تقديره : أوحينا إليه ، كقوله تعالى : ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) ( الصافات - 103 ) أي : ناديناه ( لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) يعني : أوحينا إلى يوسف عليه السلام لتصدقن رؤياك ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بوحي الله وإعلامه إياه ذلك ، قاله مجاهد .
وقيل : معناه : وهم لا يشعرون يوم تخبرهم أنك يوسف وذلك حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون .
وذكر وهب وغيره : أنهم أخذوا يوسف عليه السلام بغاية الإكرام وجعلوا يحملونه ، فلما برزوا إلى البرية ألقوه وجعلوا يضربونه فإذا ضربه واحد منهم استغاث بالآخر فضربه الآخر ، فجعل لا يرى منهم رحيما ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح : يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا أن يقتلوه قال لهم يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ، فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه ، وكان ابن اثنتي عشرة سنة - وقيل : ثماني عشرة سنة - فجاءوا به إلى بئر على غير الطريق واسعة الأسفل ضيقة الرأس . قال مقاتل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام . وقال كعب : بين مدين ومصر . وقال وهب : بأرض الأردن . وقال قتادة : هي بئر بيت المقدس فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ، ردوا علي القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تواريك ، قال : إني لم أر شيئا ، فألقوه فيها .
وقيل : جعلوه في دلو وأرسلوه فيها حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها .
إنهم لما ألقوه فيها جعل يبكي فنادوه فظن أن رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فمنعهم يهوذا وكان يهوذا يأتيه بالطعام ، وبقي فيها ثلاث ليال .
( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا ) الأكثرون على أن الله تعالى أوحى إليه بهذا وبعث إليه جبريل عليه السلام يؤنسه ويبشره بالخروج ، ويخبره أنه ينبئهم بما فعلوه ويجازيهم عليه وهم لا يشعرون .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف عليه السلام .