مكية
( تبت يدا أبي لهب وتب ) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ، حدثنا محمد بن حماد ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على الصفا فقال : يا صباحاه ، قال : فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا له : مالك ؟ قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا جميعا ؟ فأنزل الله - عز وجل - : " تبت يدا أبي لهب وتب " إلى آخرها .
قوله : ( تبت ) أي : خابت وخسرت يدا أبي لهب ، [ أي هو ] ، أخبر عن يديه ، والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله .
وقيل : " اليد " صلة ، كما يقال : يد الدهر ويد الرزايا والبلايا .
وقيل : المراد بها ماله وملكه ، يقال : فلان قليل ذات اليد ، يعنون به المال ، و " التباب " : الخسار والهلاك .
وأبو لهب : هو ابن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسمه عبد العزى . قال مقاتل : كني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه .
وقرأ ابن كثير " أبي لهب " ساكنة الهاء ، وهي مثل : نهر ونهر . واتفقوا في " ذات لهب " أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل .
( وتب ) أبو لهب ، وقرأ عبد الله : وقد تب . قال الفراء : الأول دعاء ، والثاني خبر ، كما يقال : أهلكه الله ، وقد فعل .
( ما أغنى عنه ماله وما كسب ) قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرباءه إلى الله - عز وجل - قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي نفسي ومالي وولدي ، فأنزل الله تعالى :
( ما أغنى عنه ماله ) أي ما يغني ، وقيل : أي شيء يغني عنه ماله ، أي : ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ، وكان صاحب مواش ( وما كسب ) قيل : يعني ولده ، لأن ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث : " أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه ، وإن ولده من كسبه "
ثم أوعده بالنار فقال : ( سيصلى نارا ذات لهب ) أي نارا تلتهب عليه .
( وامرأته ) أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ( حمالة الحطب ) قال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه لتعقرهم ، وهي رواية عطية عن ابن عباس .
وقال قتادة ، ومجاهد ، والسدي : كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس ، وتوقد نارها كما توقد النار [ بالحطب ] . يقال : فلان يحطب على فلان ، إذا كان يغري به .
وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا ، دليله : قوله : " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " ( الأنعام - 31 ) .
قرأ عاصم " حمالة " بالنصب على الذم ، كقوله : " ملعونين " .
وقرأ . الآخرون بالرفع ، وله وجهان : أحدهما سيصلى نارا هو وامرأته حمالة الحطب . والثاني : وامرأته حمالة الحطب في النار أيضا .
( في جيدها ) في عنقها ، وجمعه أجياد ، ( حبل من مسد ) واختلفوا فيه ، قال ابن عباس ، وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا ، تدخل في فيها وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ، وأصله من " المسد " وهو الفتل ، و " المسد " ما فتل وأحكم من أي شيء كان ، يعني : السلسلة التي في عنقها ففتلت من الحديد فتلا محكما .
وروى الأعمش عن مجاهد : " من مسد " أي من حديد ، والمسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، يقال لها المحور .
وقال الشعبي ومقاتل : من ليف . قال الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وفي الآخرة من نار . وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها .
قال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد .
قال قتادة : قلادة من ودع وقال الحسن : كانت خرزات في عنقها [ فاخرة ] وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .